رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد عبد الغفور عطار يكتب: موائد رمضان


في جريدة "عكاظ" السعودية، كتب صاحبها، الأديب السعودي، أحمد عبد الغفور عطار، مقالًا عام 1379 هـ، بعنوان "موائد رمضان"، قال فيه:

"رمضان شهر البركات والخير يستعد له المسلمون في كل مكان قبل حلوله ليوفوه حقه من النعمة والوفرة والثراء، ويدخرون له المال بشتى الوسائل حتى تنبسط أياديهم بما يحقق الرغبة.


ومن أظهر مظاهر رمضان موائده الحافلة الشهية التي ترتفع عن الضرورة إلى الكمال والخلابة والسحر والجمال، فمن جمال موائده اجتماع الأسرة حولها ساعة الإفطار ينتظرون الأذان أو المدفع، فإذا سمعوه امتدت الأيدي في شوق إليها والألسنة الصالحة تهتف باسم الله.

إن رمضان الكريم يجعل من الشر خيرًا، ومن أداة الهدم والتدمير عمرانًا، فالمدفع الذي ينذر بالشر يصبح أداة بهجة وسرور للمسلم الصائم، والنفوس الشريرة التي أراد الله عز وجل الخير لها تصبو إليه في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس ورحمة.

ورمضان شهر لا يوجد مثله فهو الشهر الوحيد الذي نزل فيه القرآن، وكان من قبل في الجاهلية مقدسًا حتى إنه سُمي بالأصم لأنه لا تسمع فيه صوت السلاح.

هو شهر السلام والمحبة والأمن، ومتى كان الناس في أمان وسلم كثر البر والخير.

وما أكثر الصنوف التي تزدحم بها موائد رمضان كالكنافة والقطايف والسمبوسك وأنواع الحساء والمكرونة وغيرها من الأطايب.

ولو أن غريبًا غير مسلم حضر مائدة رمضان في بيت فقير لظن أن الرجل يحتفي بأمير، ولو علم أن مائدة كل يوم هكذا لأدركه العجب من هذا الترف.. فهذا كله ولا شك من بركات رمضان.

أما الكنافة فهي زينة موائد الملوك والسوق، وكل إليها حابٌّ ومفتون بها ولعلها أجمل ما يتزين بها موائد رمضان ويتهادى بها الأحباء.
وهناك من يدعي غير بلد أنه صاحبها الأصيل الأول، لكن لا دليل عند أحد وتاريخها غير معروف بدقة.. لكني رأيت أن الكنافة انبثاقة الحضارة الإسلامية، وهي بحق عروس الموائد، ويمكن القول إنها من أصل عربي، فمعناها جاء من مادة كنف وهو اسم جميل.

والكنافة فيها كل معاني هذه المادة ومشتقاتها فمنها الظل والصون والرحمة والستر، ومن أكل الكنافة خف ظله وعذب منطقه وكثر بهاؤه، والكنافة تحفظ البيوت من الهدم، بل ما أكثر ما عمرت بيوت مهدمة.

كان لنا صديق غضبت عليه زوجته فغادرت إلى منزل أهلها وبقيت فيه شهورًا، وسعى المصلحون فأخفقوا، فدخل رمضان وذكر الزوج زوجته وكنافتها اللذيذة، وعلمت الزوجة وتذكرت حب زوجها لها ولكنافتها فبعثت له بصينية كنافة صنعت ما عجز المصلحون جميعًا، فما أن استلم الزوج الهدية حتى ابتهج وحملها إلى بيت أهل زوجته ليفطر معها والعودة بها إلى منزله.

وقصة معروف الإسكافي المشهورة، فلولا أن زوجته ألزمته بإحضار كنافة بعسل النحل لما صار من الأغنياء الكبار.

أما القطايف فحدث ولا حرج فقد عرفت في العصر العباسي، وتغنى بها الشعراء أمثال ابن الرومي، حين قال:
عندي لأضيافي إذا اشتد الجوع.. قطائف مثل قراطيس الكتب.
 
وأخيرًا هنيئًا مريئًا للصائمين على ما أنعم الله عز وجل به عليهم من صوم يجزى عليه هو نفسه، وبركات تفيض عليهم ونعم لا تحصى، وليهنأ الصائمون، وليوفقنا الله تعالى لصيام هذا الشهر الكريم.
الجريدة الرسمية