رئيس التحرير
عصام كامل

مذكرات الفاجومي.. أول بيان حربي


الطريق إلى الخامس من يونيو لم يكن سهلًا، "أحمد فؤاد نجم" مثله مثل آلاف المصريين، يثقون أنهم قادرين على رمي إسرائيل في البحر، وسمعوا البيانات الأولى وإسقاط الطائرات التي تتزايد أعدادها بشكل سخر منه الفاجومي، ثم سمع بيان التنحي لكنه لم يستطع إلا أن يتمسك بناصر.


يقول «قلت آه وجريت معرفش رايح فين ولقيت ناس كتير زيي بيقولوا آه ومش عاوزين الريس يمشي، وصلنا ميدان الجيش كان يترش فيه الملح مينزلش على الأرض والدنيا ضلمة رغم إن الحرب انتهت امبارح، واندفع الناس في اتجاه بيت الريس بمنشية البكري كل بلكونات العباسية تقريبا كانت مليانة نسوان بتصوت وتلطم ورجالة بتصرخ بشكل هستيري، لكن بيقولوا عبارات مش مفهومة مفيش جملة توحد الناس وفجأة بدأ واحد يغني بلادي بلادي ودي كانت ممنوع بعد الثورة باعتبار إننا جمهورية عربية متحدة والناس بدأت تردد وراه ككورس وقلت في بالي يخرب بيتك يا سيد درويش أتاريك داهية».

«ووصلنا مشارف منشية البكري واذا بالمدافع المضادة للطيارات تلهب السما بسيل من القذائف كانت أصواتها بتزلزل الأرض لكن الناس مخافوش، وبعد فترة جرينا ومحدش عارف ايه اللي حصل وتاني يوم آخر حاجة شفتها مانشيتات الصحف، الشعب يقول لا ونمت وصحيت لقيت "جمال عبد الناصر" رجع في كلامه تلبية لنداء الشعب، وبقى رئيس من أول وجديد يعني اللي فات مش محسوب»

«بدأنا نسمع حواديت بعد ما وصلوا العساكر اللي انكتب لهم عمر جديد، كل الحكايات كانت بتأكد أن الضباط الكبار سابوا العساكر والضباط الصغيرين وهربوا، وانفجر كبت الناس في النكتة، سيل من النكت الحراقة ملا الشارع بصوت عالي مع إن ده كان عورة، وأحيانا كان الناس بيدفعوا حياتهم تمن علو الصوت»

ويبدوا أن تعاطف الفاجومي مع "عبد الناصر" تلاشى أمام حكايا الجنود العائدين، وبدأت لهجة السخرية تخرج منه مرة أخرى، وهو ما جعله يكتب قصيدة «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا» والتي ينتقد فيه بقوة ما حدث في النكسة، ولكن لم يعرف «نجم» أنها ستكون أول البيانات الحربية فعليًا.

«انتشرت القصيدة زي النار في الحطب لأنها كانت أول اشتباك بيني وبين السلطة وأول هجوم صريح على "عبد الناصر"، وماسورة صرف صحي انفجرت في حوش آدم واتحول بيتنا التافه الحقير بسيل من المثقفين والأفندية، وإحنا كمان بدأنا نخرج من كفن النسيان ونسهر برا بدعوات مانعرفش أصحابها نتعشى ونغني، أنا كنت بتفرج على الناس اللي جايين يتفرجوا علينا وعلى التغيير اللي طرأ على الشيخ "إمام" و"محمد علي"، "إمام" انفتحت شهيته لكلام التفخيم ودي فجرت طاقة الإبداع جواه وأتحفنا بأروع ألحانه ولما استشهد المناضل العظيم "ارنستوا شي جيفارا" أبدع "إمام" أعظم ألحانه على الإطلاق للمرثية اللي كتبتها بدموعي»

ينخرط نجم سياسيًا في تلك المرحلة فيقول «كانت المحكمة العسكرية العليا انعقدت بناء على ضغط الرأي العام لمحاسبة المسؤولين عن الهزيمة العسكرية اللي سموها النكسة، وبعد جلسات ومداولات أصدرت المحكمة الموقرة مجموعة من الأحكام المضحكة فانفجر الغضب من الصدور، وكانت قمته نزول طلبة الجامعة إلى الشارع في مظاهرات عارمة رددت مجموعة من الشعارات، كان أخطرها لا "صدقي" ولا "الغول" "عبد الناصر" المسؤول، ونزلت قوات "شعراوي جمعة" واستخدمت كل فنون وأسلحة القتال ضد الطلبة الوطنيين العزل إلا من حبهم لمصر وغضبهم لشرفها، وكما هي العادة سارعت الأقلام المشبوهة تتهم شباب مصر بالخيانة والعمالة علشان يقطعوا الطريق على أي قلم شريف يدافع عن الطلبة ويعرض وجهة نظرهم»

بجانب ذلك كان الفاجومي يخطو مرحلة أخرى للصعود من خلال التعرف على "رجاء النقاش" عن طريق "عدلي رزق الله" «لقيت "رجاء النقاش" باعتلي رسالة مع "عدلي رزق الله"، ورجاء "النقاش" وقتها كان ملء السمع والبصر، واحترت أصل "رجاء النقاش" يعني الحكومة، طب الحكومة حتبعت لي رسالة ليه، لازم صوتنا وصل لفوق وطالبين يعملوا معانا مفاوضات وقلت لـ"عدلي" رسالة إيه وقالي هو عاوز ييجي هنا قلت له أهلا بأي حد ييجي من طرفك»

«وخلال يومين كان بيتنا الحقير بيتشرف باستقبال "رجاء النقاش" وبمعيته كوكبة من الصحفيين الشبان وبدأنا نغني وأنا عيني على الضيف الكبير كان في حالة ذهول تام، وأنا اللي كنت بختار الأغاني، فقدمنا وجبة حراقة من القصايد، وبعد الانتهاء بدأت أرحب به وقرر الأستاذ "رجاء" الدخول مباشرة، وعلق بأن كل شيء مدهش وسأل إزاي الفن العظيم ده نحجبه عن الناس، ثم طلب إننا نظهر معاه في التليفزيون من خلال برنامجه الأسبوعي شريط تسجيل»

الحلقة المقبلة.. مصالحة التليفزيون
الجريدة الرسمية