رئيس التحرير
عصام كامل

الصوم عبادة الإخلاص والسر


الصوم هو العبادة الوحيدة بين العبادات التي لم يعبد غير الله تعالى بها، وعبادة الله تعالى بالصوم وانقطاع الإنسان عن سببين من أسباب الحياة، وهما الماء والطعام من فجر اليوم إلى غروب الشمس. هي عبادة الحب والإخلاص والسر ولم تكن لغيره عز وجل والصوم هو العبادة المخصوص بها سبحانه وتعالى فلم يتعبد عابد لإله اعتقده بها..


عبدوا الأصنام وعبدوا الدهر وعبدوا الشمس والنجوم والبشر وكائنات أخرى كثيرة ولكنهم لم ينقطعوا عن أسباب الحياة من أجلها.. من هنا ندرك الحكمة كما جاء في الحديث القدسى: "كل عمل ابن آدم لنفسه إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".. هذا وتختلف أحوال العباد في عبادتهم لله تعالى وطاعتهم له. فمنهم من يعبده سبحانه خوفا من النار والعذاب وسوء المآل في الآخرة، وهؤلاء عبدوه عز وجل عبادة العبيد الذين يعملون خوفا من عقوبة سادتهم.

ولا بأس. وهناك صنف آخر يعبدون ويطيعون طلبا للجنة ونعيمها. وهؤلاء مثلهم كمثل التجار الذين يتعاملون بالمقابل. ولا بأس في ذلك. وهناك من أقبل على الله تعالى بدافع المحبة والوجهة الخالصة لا خوفا من النار ولا طمعا في الجنان.. وهؤلاء الذين عبدوه تعالى عبادة الأحرار..

وهؤلاء الذين تنزهت نفوسهم عن العلل والأغراض، وإن كانت عللا مباحة وأغراضا مشروعة. وهؤلاء أيضا الذين تحققوا بقوله تعالى: "اعبدوا الله مخلصين له الدين".. وقوله عز وجل: "ألا لله الدين الخالص".. وهؤلاء هم الذين تعلقت أرواحهم بربهم منذ لحظة التجلي في عالم الذر أو عالم العهد والميثاق، وهو العالم الذي استخرج الحق سبحانه وتعالى أرواح البشر من ظهر أبو البشر أبينا آدم عليه السلام، وأقامها في حضرة تسمى بحضرة التجلي والشهود ثم تجلى جل جلاله بأنوار صفات ربوبيته عليها..

ثم خاطبها عز وجل بقوله: "ألست بربكم قالوا بلى شهدنا".. هذا وقد ذكرت في مقالات سابقة أن أحوال الأرواح بعد التجلي انقسمت إلى قسمين وحالين.. أرواح انجذت بكليتها إلى المتجلي سبحانه وغرقت في أنوار وتعلقت به، ولم تلتفت إلى أثر التجلي وهي أنوار حضرة الربوبية.

وأرواح شغلت وأخذت في الأنوار التي ظهرت في ذواتها على أثر التجلي وحجبت عن حضرة المتجلي سبحانه وتعالى.. وقلنا إن الأرواح التي أخذت في أنوار المتجلي وانجذت لمصدر التجلي هي أرواح صفوة بنو آدم وهم. الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين.. وهم الذين عبدوه تعالى عبادة الأحرار..لا طمعا في جنته ولا خوفا من النار.

والسيدة رابعة العدوية واحدة منهم وهي ممن أشار إلى حالهم في إخلاص وجهتهم له تعالى حيث قالت في مناجاتها لربها عز وجل.. اللهم إني ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، ولكني عبدتك لأنك أهلا لذلك وابتغاء رضوانك ورحمتك، ومغفرتك.. وقالت.. اللهم إن كنت تعلم أني عبدتك طمعا في جنتك فاحرمني منها. وإن كنت تعلم أني عبدتك خوفا من نارك فأدخلني فيها. فأنا أعبدك لأنك تستحق أن تعبد.. سبحانك.. هذا ويتجلى ذلك في عبادة الصوم فهو عبادة السر والإخلاص وفيها الدليل الصادق على الصدق في محبته عز وجل..
الجريدة الرسمية