رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

قصص نزلاء دار المسنين بقنا.. هدية: أقاربي استولوا على منزلي وطردوني في الشارع.. "عم سيد" تعرض للتشرد بعد خلاف مع زوجته وأولاده.. و"محمود" من قصور قاهرة المعز إلى مدافن الصدقة (فيديو)

فيتو

في صعيد مصر، كانت تحكمه عادات وتقاليد تجعل أهله يخشون الفضيحة ويصبح عارا على الابن وضع والديه بإحدى دور رعاية المسنين، ولكن لمرور الزمن تبدل الحال وأصبح جحود الأبناء يصل بهم إلى حد تشريد والديهم وإيداعهم دور رعاية، فعلى بعد أمتار من مدينة قنا، يوجد بمنطقة المساكن لافتة تحمل دار الهنا لرعاية المسنين، والتي أنشئت في عام 1993، والدار على مدار تاريخها الطويل لم يكن يقطن بها أكثر من نزيل ويكون قادما اليها من القاهرة أو محافظات مجاورة، ولكن بمرور الزمن، بدأ النزلاء يتوافدون عليها، ولم يعد يقتصر الأمر على الوافدين من خارج المحافظة بل وداخلها.


"فيتو" عايشت نزلاء دور المسنين يومهم الذي يبدأ في الساعات الأولى من الصباح مع زقزقة العصافير بحسب ما اعتاد الكثير منهم على ذلك، يصطفون في حديقة الدار وعيناهم حالمة ويدهم مرفوعة إلى السماء، داعين الله أن يحمل هذا اليوم لهم زيارة ابن حبيب لهم، لم يكن أحد يتوقع أن يكون في الصعيد هذا الجحود الذي وصل إلى حد أن يعيش الأبناء في منازل الآباء والأجداد ويطردونهم منها، بل ويصل الحد إلى أن يتركوهم يدفنون في مدافن الصدقة.

مشردة على أعتاب مسجد
سيدة ترتدي جلبابًا أسود وعلى رأسها حجاب بنفس اللون، وعليها رسومات مزركشة، صامته ترفض الحديث مع أي نزيل، ولكن لا أحد يطلب خدمة إلا وتؤديها له، وعند الحديث عن ظروفها تجد الدموع حاضرة قبل الكلام، تسعى إلى تغطية وجهها، والجميع يحذرنا من الاقتراب منها، لرفضها الحديث.

ولكن حاولنا التواصل والاقتراب منها في جلسة بشرفة مطلة على حديقة الدار، فهي طوال الوقت صامتة وترفض أن يقترب منها أحد للحديث عن حياتها التي لا تزال سطور كثيرة منها غير واضحة واكتشف أهل الدار الكثير منها أثناء الحديث معنا، فعينها تزرف دموعًا، تنتظر في الشرفة لا أحد يعلم ما هو الذي تنتظره.


"هدية ا"، التي هربت من قريتها منذ أكثر من 4 سنوات، بعد أن هربت من والدتها التي أنجبتها بعد مضي شهور مع والدها وتوفي بعدها، وظلت هدية ووالدتها إلى أن تم زواجها في سن 12 عاما، ولكن سرعان ما تبدل الحال وطلقها بعد مرور عامين على زواجهما، وبعدها تزوجت بآخر، وعند سؤالنا لها عن إنجابها الأطفال زرفت دموعًا وقالت نصًا: "مليش ولاد.. طلعت أرض بور.. ياريت معايا عيال.. كنت عشت معاهم بدل من العذاب اللي عايشه"، وما هي إلا دقائق ووجدناها تستكمل الحديث عن والدتها التي ظلت معها وكانت تعاني ضعف النظر وبعد إجراء عملية لها استعادت نظرها.



وسردت قصتها قائلة: "كنت أعيش في بلدتي مع والدتي في منزلنا الذي قمت ببنائه، ضاحكة بقلب حزين: كنت البس الملاية اللف.. وامشي اتمخطر في بلدنا ومحدش يعرف يقف قصادي.. شوفوا بقا وصل بينا الحال لغاية فين"، مؤكدة أنها فوجئت بأشخاص بحسب قولها لا تعرفهم يسعون إلى العيش معها ووالدتها دون موافقتها قائلة: "عاوزه اعيش وحدي أنا وأمي.. زي ما طلعت وحدي.. هما عاوزين يستولوا على كل حاجة".


وأضافت هدية: "أنها منذ أن هربت وعاشت أمام مسجد التحرير، لمدة عام وظل البعض من أقاربها يتردد عليها ولكني ذكرت لهم: ارجع بشروطي.. وأعيش وأمي وحدنا" وفي آخر لقاء لي في قريتي أخبروني أن أمي ماتت.. ولكن أعلم أنهم يضحكون على فهي لا تزال على قيد الحياة".

قالت هدية، إنها فوجئت في يوم بأحد الأشخاص يقول لها "قاعدة ليه كده" قلت له "مليش بيت غير هنا"، فقام باصطحابي إلى دار المسنين وحضرت إلى هنا في 20 يناير 2017، وأتقاضى راتب مطلقات.

وأشارت إلى أنها طباخة ماهرة تعلمت هذه المهنة منذ الصغر قائلة: "باعمل كل حاجة بالسمن البلدي كمان.. واخبز واحلب الجاموسة..زي ما تربيت في بيتنا"، وأي نزيل يحتاج إلى شيء معين اقوم بطبخه له ودائمًا أقوم بالعمل وأرفض الكسل، ولا أهوى مشاهدة التلفاز قائلة "سبت كل حاجة في بيتنا..مش محتاجة.. وهو في فرجة اكتر من اللي احنا فيه"، منوهة بأن حلمها أن تعود إلى منزلها، لافتة إلى أن الدار استخرجت لها أوراقا ثبوتية بعد ضياع كافة أوراقها، واستخراج بطاقة شخصية.

عم سيد
وننتقل من هذه القصة إلى قصة أخرى من قصص الدار.. قال أحد مسئولي الدار إنه كان يوجد رجل يدعى عم سيد ابن إحدى قرى محافظة قنا، تشرد في الشارع لسنوات وهو يجمع الوجبات من صناديق القمامة وكان يتناول في اليوم وجبة واحدة فقط، وعند إحضاره إلى دار المسنين كان يقوم بتناول جزء من الوجبة ويضع الجزء الآخر في الدولاب، وعند حضور لجنة من التضامن اكتشفت أن عم سيد يقوم بتناول نصف الوجبة ويخزن الجزء الآخر.

وأضاف المسئول: "كان عم سيد لا يعرف سوى حياة الشارع الذي تربي فيه بعد أن طرده أبناؤه وتم الاستيلاء على أمواله وفقد عقله بسبب سوء المعاملة التي لاقاها من اولاده وهو مادفعه إلى السير في شوارع المدينة بملابس رثة مهلهلة،وكان ينادي دائمًا :"معدش فيه رحمة في الدنيا خلاص"، وبعد مضي مايقرب عامين من السير في الشارع، عثرت عليه فرق التضامن وتم إيداعه دور المسنين بدلا من سيره في الشارع".

وقال المسئول: "عندما حضر عم سيد إلى الدار كان لا يعرف سوى حياة الشارع الذي كان فيه وفي أغلب سلوكياته كان عنيفا في البداية، وكان طوال الوقت يتذكر حياته الأولى، إلا أنه مرض بالنقرس وعجز عن الحركة وكان يحتاج إلى علاج، وهنا اضطرت إدارة الدار إلى إلحاقها بأحد المستشفيات إلى أن توفي بها ودفن بمدافن الصدقة، حيث إن الدار للقادرين على خدمة أنفسهم".

عم محمود من قصور قاهرة المعز إلى مدافن الصدقة
وفي واقعة أخرى قال مسئول الدار إن "عم محمود " كان يمتلك عددا من الأملاك ويعمل بالتجارة، بعد إحالته على المعاش، وأحضره أحد أولاده من القاهرة وهو لايعرف أنه سيتم إيداعه دار مسنين في الصعيد.

وأضاف: "عندما اصطحبناه إلى داخل الدار لرؤية محتويات الدار وأسرة النزلاء وكان من بينهم سرير عم محمود، هذا الرجل الذي عاش في الدار عدة سنوات بعد أن قدم من محافظة القاهرة وتم إيداعه من قبل أبنائه الذين كانوا لا يسألون عليه نهائيًا، حتى مرض بشدة وطلبت الدار أحد أبنائه وكانوا جميعا في مراكز مرموقة لكن للأسف، وعندما كنا نتحدث اليهم يسمعون ما لا يصدقه عقل، من جحود الأبناء الذي أوصله إلى دار مسنين في أقاصي الصعيد".

وأشار إلى أن عم محمود كان يسرد قصصا عن حياته مع زوجته وأولاده، والذي الحقهم بجامعات ومدارس ووصلوا إلى مناصب عليا، ولكنه فوجئ بعد وفاة زوجته وزواج الأبناء أنهم يحاولون طرده من البيت إلى أن قامت زوجة أحد أولاده بفكرة سفره للصعيد لزيارة أقاربه فهو كان من إحدى قرى مدينة نجع حمادي وبعد نزوله وجدهم يتركونه عند الدار باعتبار أنه منزل قريب لهم واكتشف فيما بعد أنها دار للمسنين، وقال: "في البداية كان يرفض العيش ولكن بعد مضي الوقت تعايش مع الأمر".

وعن أصعب المواقف التي مرت بعم محمود، قال: "عندما اقتربت اللحظات الأخيرة وشعر بأن الموت قريب،طلب أن يرى أحد أبنائه، وطلبت الدار أحد أولاده، ولكن رفضوا الحضور، إلى أن توفي وطلبوا منهم استلام الجثمان، فذكروا نصًا: ادفنوه انتوا بمعرفتكم.. وبالفعل قامت الدار بتكفينه ودفنه بمدافن الصدقة بمدينة قنا، بعدما رفضوا استلام جثته".

من جانبه قال محمد إسماعيل محمد، مدير دار المسنين بقنا، أنه تولى إدارة الدار منذ عام 1998 وخلال عمله لم يكن يتخيل أن يصل عدد النزلاء إلى هذا الكم، بل ويصل الأمر إلى حد قوائم الانتظار، وهو الأمر الذي دفعنا إلى حد التوسع في الداري لاستيعاب الوافدين، ولكن هذا يتطلب زيادة الميزانية التي لم يتم زيادتها منذ سنوات، فضلًا عن عدم وجود مشرفات متدربات بشكل أكبر للتعامل مع الحالات الوافدة.

ونوه بأنهم يقومون بعدة أدوار منها العلاج النفسي والاجتماعي، خاصة أن أغلب النزلاء هنا يعانون من اضطرابات عائلية، ولكن شرط أساسي أن يكون المسن قادرا على خدمة نفسه ولكن في حال المرض يتم إيداعها بدار رعاية أخرى.


Advertisements
الجريدة الرسمية