رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"طوفان الكرامة".. معركة «المشير» الأخيرة في "طرابلس" تضع حدًا لمخططات الفتنة القطرية والتركية.. وتؤكد الخطأ الأوروبي في اختيار «السراج»

 المشير خليفة حفتر
المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي

«دقّت الساعة وآن الأوان».. بهذه الجملة أطلق المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبي، عملية عسكرية نهاية الأسبوع الماضى، لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات الإرهابية، بعدما سقطت رهينة في قبضة هذه العصابات، على مدار الأعوام الماضية منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافى.


«ساعة حفتر» التي هاجمها داعمو الفوضى والمتمسكون برعاية ودعم الإرهاب بهدف تمزيق الدولة إلى ثلاث دويلات، وإبقاء الوضع على ما هو عليه بين غرب وشرق وجنوب، على النقيض يعتبرها المراقبون للأزمة تأخرت كثيرا، في ظل مماطلة رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، وهروبه المريب من تسريع العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، لإنهاء المرحلة الانتقالية عبر إجراء انتخابات عامة في البلاد، رغم قبول المشير حفتر الجلوس على طاولة السراج، لفتح أفق الحوار.

وعقب اللقاء الأخير بينهما الذي عقد في العاصمة الإماراتية «أبوظبى» بهدف جمع الفرقاء، من خلال توحيد المؤسسات خصوصا العسكرية والشروع في الانتخابات التي أبدى الجنرال استعداده لتأمينها، تنصل «السراج» من التفاهمات عقب زيارة قام بها إلى قطر التقى خلالها الأمير تميم بن حمد، لتعود الأزمة الليبية إلى المربع صفر، بما لا يترك الفرصة للجيش للمراهنة على عنصر الوقت، في ظل الأزمة التي تعانى منها الجزائر عقب استقالة بوتفليقة، والصراع السياسي في تونس بين الرئيس والإخوان، وجاء الحل العسكري في نهاية المطاف لينقذ طرابلس ودول شمال أفريقيا كاملة من انفجار وشيك يفتح حدودها أمام العناصر الإرهابية.

المدقق في صورة منظومة الحكم المفككة التي تدير العاصمة الليبية، منذ وصول السراج على متن فرقاطة إيطالية، يدرك جيدا كيف وقع الغرب في اختيار خاطئ من خلال اختيار شخص فاقد السيطرة على مقاليد الأمور، في ظل انتشار ما يقارب ثمانى ميليشيات مسلحة تمتلك القوة الكافية لفرض قرارها داخل العاصمة وتخومها، وبات الغرب مقتنعا بسوء الاختيار بعدما شاهد على مرأى ومسمع من العالم الاشتباكات العنيفة التي وقعت في سبتمبر من العام الماضى 2018، بين الدولة الرسمية المتمثلة في حكومة الوفاق والميليشيات المتناحرة هناك، والتي انتهت بمهاجمة عناصر ما يسمى اللواء السابع مشاة المقر الرسمى لحكومة السراج.

أيضا تحولت شواطئ طرابلس خلال الأعوام الماضية، إلى أرصفة بحرية لاستقبال شحنات أسلحة وعناصر إرهابية قادمة من قلب المتوسط، تبين فيما بعد تورط تركيا وقطر في تلك العمليات التي باتت مهددة لاستقرار المتوسط شمالا مستهدفا أوروبا، وجنوبا لخلق وطن بديل لعناصر داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية الأخري على مختلف مسمياتها في دول شمال أفريقيا، وتحويل ليبيا إلى «بيت مال» لتمويل هذه الجماعات.

بلاد «عمر المختار» نتيجة تمزيقها بالصراعات على مدار السنوات الثمانية الماضية، وانتهى بها الحال لرفع أبنائها السلاح في وجه بعضهما البعض، وجد فيها الجميع غنيمة سهلة الافتراس للسيطرة على مواردها ومصادرة قرارها السياسي، وجعله رهينة بيد عواصم إقليمية، أبرزها الدوحة ما زالت ترى فيها الأرض الموعودة لتنظيم الإخوان بعدما تعرضت فروعه بدول المنطقة للفرقة والشتات، وتعاونها في هذا الشأن تركيا الموطن الجديد لمفتى الجماعة الصادق الغريانى الذي ظهر على قناة «التناصح» التي تبث من تركيا ويديرها نجله سهيل الغريانى، يدعو الشعب إلى ما أسماه «الجهاد» ضد قوات الجيش الليبي، بمجرد إطلاق حفتر عملية تحرير طرابلس، ليضيف إلى رصيده فتوي جديدة من سلسلة فتاوي "سفك الدماء" المعتاد على إطلاقها منذ وقوع الأزمة.

الهدف القطري في الداخل الليبي المتمثل في دعم الإخوان، رغم خطورته يعد أقل خطورة من هدف نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذي يري في ليبيا وسيلة ضغط على دول أوروبا، يريد تقديم نفسها لدول القارة كـ«مالك قرار» قادر على إغراقها بقوارب الإرهاب والهجرة غير الشرعية، بهدف ابتزازها ماليا وفتح الأبواب الموصدة أمام حصول عضوية بلاده على عضوية الاتحاد، بذات الطريقة التي مارسها في التفاهمات مع القارة العجوز حول ملف هجرة السوريين، ونجح حينها في الحصول على ملايين الدولارات.

وبرز الدور التركى في الأزمة جليا إبان مؤتمر باليرمو الإيطالى –عقد في نوفمبر 2018-، حينما أعلن فؤاد أقطاي نائب الرئيس التركي، انسحاب وفد بلاده في أعقاب استبعاد أنقرة من المشاركة في لقاء جانبي، على هامش المؤتمر، جمع السراج وحفتر برؤساء حكومات إيطاليا وروسيا والجزائر ورؤساء مصر وتونس ورئيس الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي إلى ليبيا ووزير الخارجية الفرنسي، لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء والخروج من الأزمة بحلول سياسية.

حكومة الوفاق المسيطرة على طرابلس مثلما عرقلت الجهود السياسية لصالح تركيا وقطر، سمحت أيضا بتحول الدولة إلى مستعمرة إيطالية، ووصلت روما إلى قمة «التبجح السياسي» في أغسطس عام 2017، من خلال إقرار برلمانها خطة للتدخل العسكري في المياه الليبية بناء على طلب من رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، لكن هذه الخطوة قوبلت بردود فعل منددة وفجرت الغضب الشعبى في الأوساط الليبية التي اعتبرت الاتفاقية انتهاكا للسيادة وطنهم، ولم تكتف السلطات الإيطالية بصدور مثل هذا التصريحات الاستفزازية ومارست دسائس سياسية معلنة لاجهاض مخرجات لقاء باريس بين حفتر والسراج، وتسببت بصورة مباشرة في تعطيل الانتخابات العامة بعدما تم الاتفاق عليها بين الطرفين برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

فقدان السيطرة على العاصمة الواضح للعيان جعل منها مغناطيس جاذب للهجرة غير الشرعية القادمة من دول القارة الأفريقية، ووجدت عصابات تهريب البشر ضالتها هناك من خلال التحالف مع الميليشيات المسلحة التي تمتلك القرار الفعلى على الأرض، في ظل وجود حكومة منبطحة أمام الجميع لا تعرف شيئا عما يدور بشوارعها وضواحيها، وجل مهمتها الظهور كطرف رسمى بالمؤتمرات الرسمية فرضه الغرب بالقوة الجبرية لإجهاض قيام دولة موحدة لها رئيس شرعي يختاره الشعب ومؤسسات أمنية محترفة لحماية حدودها وجهاز حكومى يدير مواردها الطبيعية لصالح مواطنيها.

صحيح أن عملية حفتر العسكرية لدخول العاصمة بهدف تحريرها من قبضة الفوضى، سوف يسقط فيها شهداء من الجيش الوطنى وقتلى من العناصر المسلحة، لكنها في نهاية المطاف دماء سوف تسقى بذرة السلام الدائم والتنمية المستدامة، لإنقاذ دولة عربية انهكتها سنوات الفوضى، على أمل كتابة وثيقة سلام ببارود الرصاص.

"نقلا عن العدد الورقي...."
Advertisements
الجريدة الرسمية