رئيس التحرير
عصام كامل

باهي.. وحلم النوبة


أطل علي ببشرته السمراء الداكنة وكلماته المبعثرة محاولا جمعها في جملة مفيدة، يرحب بنا مجموعة من السائحين المصريين جاءوا ليروا جمال بلاد النوبة والتي هي جزء من مصر، بساطة المكان تثلج القلب وتنعشه، فالفنادق تم تصميمها على الطراز النوبي، عندما تدخل الفندق كأنك تعيش في بيوتهم النوبية الملونة بألوانها الزاهية، ابتسامة (باهي) البشوشة وأسنانه البيضاء تدفعك لكي تقول له كلمات شكر متواصلة..


كم ينقصنا في مصر أن تعود هذه الابتسامة الطبية بعد أن تحولت كل الوجوه إلى أيقونة من الحزن والعبوس، فكرت كثيرا، هل هؤلاء الناس الطيبون الذين يعيشون في نوبة مصر هم مختلفون؟، ليس لديهم نفس مشاكلنا الاقتصادية حيث ارتفاع الأسعار؟ أم أنهم يتعرضون لمعاناة المواطن المصري العادي؟

في حقيقة الأمر هم مصريون مثلنا جميعا يعانون كما نعاني ويتعرضون لكل المشكلات التي نتعرض لها، لكن لديهم إرادة مختلفة تحفزهم على المقاومة والانتصار على الألم بالابتسامة الحلوة النقية، فهم في كل يوم يستقبلون السياح من مختلف بلاد العالم، وأصبحت ابتسامتهم هي ماركة مسجلة لكل أهالي النوبة.

طلبت من (باهي) أن يعد فنجان من القهوة التركي، وأكدت عليه أن يكون لها وش. فجاءتني ابتسامته الساحرة، وقال (هاخليهم وشين)، وعندما سألته عن عمره فقال إنني في الثانية والعشرين من عمري، وأعمل في هذا الفندق (حلم النوبة) منذ أربع سنوات بعدما حصلت على دبلوم التجارة، وأنهيت خدمتي العسكرية، ولي من الإخوة ثلاثة غيري، كلنا نعشق هذا المكان، فالنوبة هي بلدي..

حدثني (باهي) عن انتقالهم من مكان إلى آخر بسبب بناء السد العالي، كانت كلماته رغم التعب الذي شعرت به الأجيال السابقة -وأسرته من هذه العائلات- إلا أنه ما زال يحتفظ بابتسامته المشرقة، وكأنها ليست مجرد حركة لا إرادية يفعلها ليجذب الزبائن والسياح، بل اشعر أنها تخرج من أعماق قلبه النقي، (فما يخرج من القلب يصل إلى القلب)، هذا هو شعار كل النوبيين البسطاء..

لن تجد هنا سوى الابتسامة والتفاؤل وكمية هائلة من الطاقة الإيجابية جعلتني أشعر براحة وانتعاش بعد رحلة شاقة قضيتها على كرسي القطار من المنيا إلى أسوان لمدة عشر ساعات متواصلة، ولولا جدعنة مرشدتنا السياحية "هند عبد العزيز" وتلبية طلبات كل جروب الرحلة ربما كنت قد فكرت النزول في أقرب محطة والعودة للقاهرة، وحمدت الله أنني لم أفوت رحلة كهذه في بلاد الطاقة الإيجابية والابتسامة الدافئة.

وتذكرت فيلم (أنت عمري) عندما قرر الطبيب هشام سليم علاج مريضيه نيللي كريم وهاني سلامة من السرطان فسافر بهما في رحلة إلى أسوان، ومنها جاءوا إلى هنا حيث أنقى مكان في مصر، النوبة!!

هذا المكان يستحق أن يكون المشفى المثالي من كل الأمراض، فلا يجتمع الألم والمرض مع هذا الكم من الطاقة الإيجابية، فمثلما اختار الطبيب الإنسان مجدي يعقوب لإنشاء مركزه الشهير لعمليات القلب في مصر والشرق الأوسط، فاعتقد أن النوبة تحتاج أن يكون فيها أكبر منتجع للاستجمام والعلاج نفسي لكل من يشعر بغربة أو اكتئاب، ويحتاج إلى اندماج إيجابي في مجتمعه مرة أخرى.

فهو مكان عبقري لإعادة تأهيل النفوس، وشحذ الهمم والتمتع بصفاء النفس وروقان البال..

فما أحوجنا إلى راحة البال التي لا تقدر بمال.. وأخيرا، من لم يزر النوبة عليه أن يقرر سريعا القيام بهذه الرحلة، فلن يندم أبدًا.
الجريدة الرسمية