رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مذكرات موسى صبري (6)


جاسوسية "مصطفى أمين" ودور "هيكل" في التشهير..

في نهاية الحديث عن "هيكل"، يتحدث "موسى صبري" عن قصة شائكة، وهي قصة اتهام "مصطفى أمين" بالجاسوسية ودور "هيكل" فيها، وهنا وقف فيها "موسى صبري" موقف المحايد فهو لا يُطيق الاثنين وإن كان حديثه أنصف "هيكل" على غير المتوقع، وهو أمر احترت فيه، فإما أن يكون "موسى صبري" قرر أن يقول الحقيقة أو لم يخف إعجابه لـ"هيكل" حين كان الحديث عنه وعن "مصطفى أمين" وفي ظني أن الخيار الأخير كان خيار «صبري».


ويقول "موسى صبري" في البداية «حرص التوءمان على استمرار العلاقة مع "هيكل" وكان هو يتناول الغداء أسبوعيا على مائدة "مصطفى أمين" بعد عمله في الأهرام، وكان "عبد الناصر" قطع صلته بـ"مصطفى أمين" ثم عين خالد محيي الدين رئيسا لمجلس الإدارة وشعر التوءمان أن الشيوعية تحكم مصر فسعى "على أمين" أن يعمل في الأهرام مراسلا لها في لندن وحقق له "هيكل" هذا المطلب وحصل على وعد من "عبد الناصر" وقابله لوقت قصير قبل سفره».

«أما "مصطفى أمين" فاستقر رأيه أن يُهرب من أمواله ما يستطيع إلى الخارج وأن يؤدي دورا سياسيا بصلته الطيبة مع الأمريكان وقد كان هو و"هيكل" رسولي عبد الناصر للأمريكان في معظم الأحداث المهمة، وكان "مصطفى أمين" يقدم أخبار هامة إلى "عبد الناصر" نتيجة هذه الصلة، وفي الفترة الأخيرة التي امتنع فيها "عبد الناصر" عن لقاء "مصطفى أمين" أوجد "مصطفى أمين" صلة مع رجل المخابرات الأمريكية في السفارة بالقاهرة وكان يحاول الحصول منه على أخبار يمكن أن يقدمها لـ"عبد الناصر" وكان يقدم له في الوقت نفسه أخبار زاعما أنه حصل عليها من الرئيس وجرى هذا في صمت إلى أن القى القبض على "مصطفى أمين" بتهمة التخابر مع جهة أجنبية»

هل كان الأمر ضد "مصطفى أمين" تحديدًا، الحقيقة لا، "موسى صبري" يقول إن «المخابرات المصرية كانت تراقب ممثل المخابرات الأمريكية الذي يعمل تحت ستار الدبلوماسية في السفارة الأمريكية ولاحظوا أنه يتردد كل يوم أربعاء على العمارة التي يسكنها "مصطفى أمين"، وأنه يركن سيارته في أماكن مختلفة وأنه لا يصعد في الأسانسير حيث شقة "مصطفى أمين"، بل يصعد إلى دور أعلى ويهبط. 

وهكذا بدأت المراقبة والتسجيل، وقد عرض "صلاح نصر" الأمر على "جمال عبد الناصر" وأمر بالاستمرار ولما قدمت التسجيلات إلى "عبد الناصر" أبرز فيها الكلام المنسوب إلى "مصطفى أمين" تحريضًا للأمريكيين على وقف معونات القمح إلى مصر مع ملاحظة أن "مصطفى أمين" ينكر إنكار تام أنه قام بهذا التحريض، ويؤكد أن هذا من تلفيق المخابرات، وهنا فقد "عبد الناصر" اعصابه وخاصة بعد أن سمع "مصطفى أمين" يدعي أخبار ويقول لرجل المخابرات أن الرئيس هو الذي اخبرني بها ولهذا وافق ناصر على محاكمته».

باختصار يمكن أن نقول في قصة جاسوسية "مصطفى أمين" «ردت في صدره قتلته» فقد حاول التقرب من "عبد الناصر" بطريقة أدت به إلى هذا الطريق، ولا يخفى أنه كذب من أجل أن يصل لعقل الزعيم.

لكن ماذا عن موقف "هيكل" في تلك القصة؟
نعود لـ"موسى صبري" الذي يقول «"مصطفى أمين" يعتقد أن "هيكل" هو الذي أوقعه في هذه الجريمة ورأى أن هذا غير صحيح، والسبب بسيط لقد كان "هيكل" أكثر المذعورين من القبض على "مصطفى أمين" بهذه التهمة وكان يخشى أن تجر رجله إلى القضية على أنه شريك في الجريمة، لأنه كان يقابل "مصطفى أمين" أسبوعيا ويمده بأخبار كثيرة، ولا شك أن هذه المقابلات مسجلة. 

ولذلك فإن "هيكل" في سبيل الخلاص بجلده شن ضد "مصطفى أمين" حملة شعواء استنكارا للجريمة البشعة، ولم يهدأ ل"هيكل" بال حتى اطمأن أنه خارج نطاق الاتهام وكان "على أمين" يرى أيضا بأن "هيكل" ليس له يد في الإيقاع بـ"مصطفى أمين" وعندما سمح السادات لـ"على أمين" بالعودة إلى مصر كان دائم الاتصال بـ"هيكل" ولكن عواطفه تبدلت نحو "هيكل" بعد الإفراج عن "مصطفى أمين" الذي أمكنه التأثير على شقيقه».

"هيكل" صحفيًا
وفي نهاية الحديث يعود "موسى صبري" للحديث عن "هيكل" فيقول «"هيكل" ظاهرة في الصحافة المصرية فعلى عكس كل التوقعات لم يمت كصحفي حين أخرجه السادات من الأهرام، لقد بدأت مقالاته في الصحافة العربية وبأجر كبير وكانت هذه الصحافة تستخدمه في التشهير بحكم "السادات"، وأخطأ "السادات" مرتين، مرة عندما عرض على "هيكل" منصبا وزاريا بعد أن أخرجه، وفي مرحلة صلح فقد رفض "هيكل" وكان طبيعيا أن يرفض لأنه كان يعلم أن "السادات" سوف يخرجه من الوزارة بعد حين وتاجر "هيكل" بهذا العرض».

«والمرة الثانية كانت حين قرر اعتقال "هيكل" والتحقيق معه أمام المدعي العام الاشتراكي، كان الاعتقال رصيدا جديدا يضيفه "هيكل" إلى نفسه كما أن التحقيق فقد كل أساس لأي اتهام بسبب عرض السادات المنصب الوزاري على "هيكل"، فإذا كان "هيكل" يحمل كل البلاوي وجرائم الفساد السياسي فلماذا عرض عليه أن يكون وزيرا معه وانتقم "هيكل" من "السادات" بعد موته شر انتقام وـصدر كتاب خريف الغضب، وتوليت الرد على تلك الأكاذيب».

في تلك الفقرة "موسى صبري" يحسد "هيكل" حتى على اعتقاله، ويكمل موسى صبري: «بقى الحكم الموضوعي على ظاهرة "هيكل" في الصحافة المصرية، و"هيكل" بنى الأهرام الجديد وهذا له ولكنه قتل الصحافة المصرية، كان من أشد المناصرين لفرض الرقابة القاسية على الصحف في وقت كان هو لا يراقب، واحتكر نشر كل الأخبار الممنوعة، وعمل هو رقيبا عاما على الصحف سواء عندما كان وزيرا أو قبل ذلك، وهو لم يمت بصلة لحرية الصحافة ومسئول عن جيل من الصحفيين نشأ في هذا القهر، وتحول إلى جيل من الموظفين..

وكان "هيكل" هو الذي أمر بفصل عدد كبير من الصحفيين من مؤسسة أخبار اليوم وتعيينهم في شركات القطاع العام، وحاول "هيكل" في كل المناسبات أن يتبرأ من كل مواقفه السابقة خلال حكم "عبد الناصر" تأييدا لقهر الحريات والتعذيب وقتلا لحرية الصحافة وتشريدا للصحفيين، ثم غطى كل هذا الماضي بحملة مسعورة ضد "أنور السادات"، وعندما تولى حسني مبارك رئاسة الدولة حاول "هيكل" أن يكون له دور وفشلت كل محاولاته ولم يستطع أن يحوز على ثقة مبارك ولكن يبقى "هيكل" الكاتب المقروء والصحفي صاحب الأسلوب ومحققا جيدا».
Advertisements
الجريدة الرسمية