رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«يا دهب الصعيد الأصفر».. رحلة مقرص العيش الشمسي من روث الحيوانات للكراتين

فيتو

«أدور واملا القرص يارغيف الست.. فين عيونكم لتشوف قرصنا المدور.. مضوي على قرص الشمس يادهب الصعيد الأصفر»، ليست مجرد أبيات شعرية تتغنى بها سيدات الصعيد، ولكنها ملحمة قروية ترددها النساء، ابتهاجًا بإنتاج أحد أعرق موروثاتهن الغذائية من «العيش الشمسي».


ففي الساعات الأولى من صبيحة كل يوم مع بزوغ الشمس، تجلس النساء في حلقات منهمكات في إعداد مخبوزهن الأشهر الذي يخرج منافسًا قرص الشمس، لذا فقد عرف على مر العصور والأزمة بـ «العيش الشمسي»، مرددات مقولاتهن المأثورة: «هاتي يابت الدوار.. عشان نلحق نقطع العيش ونحطه في عين الشمس عشان يلحق يخمر»

الدوار أو مقرص العيش الشمسي معروف منذ عهد الفراعنة وكان يطلق عليه في ذلك الوقت مقرص لأنه يشبه قرص الشمس، وكان يصنع قديمًا من الطفلة المخلوطة بالتبن وبعض «سباخ الحظائر» أو روث الحيونات.

شكرية ناصر محمد، السيدة الستينية تجلس متربعة أمام «قدر العجين»، محاطة بأقرانها من سيدات العائلة وجيرانها بقرية الحجيرات، قائلة: «الدوار كانت تصنع في وقت معين من مواسم الحصاد وكان الجميع يختار موسم حصاد البرسيم حتى يكون روث الحيوان باللون الأخضر ويتم خلطها بالطفلة أو التراب وكان البعض يضع جزءا من التبن ويتم تقطعيها بشكل دائري وتوضع في الشمس حتى يجف القرص ويتم بعد ذلك إحضار حجر ويمسح الوجه الأول المخلوط بالتراب والتبن لينظف بشكل تام وبعدها نستخدمه».

وأشارت نورة سعد محمود، سبعينية العمر، من قرية الكلاحين بقفط: «إننا كنا نصنع الدوار بشكل يومي وكانت تعد لقمة عيش البسطاء الذين كان يطلق عليه في بعض النجوع عرب الخيش، وهناك البعض الذين يمتلكون المواشي كانت سيدة المنزل تصنعه وتوزعه على الجيران، خاصة بيوت كبار القبائل والعائلات»، لافتة إلى أنه قديمًا وقت استخدام الدوار كان يعطي للخبز طعما مميزا، قائلة: «كل حاجة في وقتكم ملهاش طعم ولون وشكل كله سلق زي حياتكم.. لكن زمان كان كل شيء بعدل وله طعم».

وفي الآونة الأخيرة بعد زيادة أسعار المواشي، بدأ الكثير من الأهالي يسعى للبحث عن بدائل «روث الحيوانات» في صناعة الدوار فلجأوا لـ «كراتين البيض وورق الجرايد» عن طريق التخمر.

وتابعت سلوى محمود صابر، ربة منزل، إننا نصنع مقرص العيش أو الدوار الصعيدي كما يطلق عليه هنا من كراتين البيض بعد تخميرها وتقطيعها والبعض يضع جبس وآخرون يكتفون بكراتين فقط وبعد تخميره في المياه لعدة أيام يسهل تشكيل القرص بحسب استخدام كل سيدة والأغلب يختار الشكل الدائري كما كان أجدادنا يصنعونه.

وأكدت مني ثروت محمود، ربة منزل، على أن المقرص الحالي المصنوع من الكرتون خفيف في الحجم والشكل ولكنه لا يستمر وقتًا طويلًا كالدوار القديم الذي تربينا عليه في بيوتنا بالقرى والنجوع والتي لايزال الكثير منها يحرص على تصنيعه بنفس الطريقة القديمة، ولازال مصدر رزق ودخل للبسطاء من أهالينا في مختلف القرى والنجوع.
Advertisements
الجريدة الرسمية