رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية الطفل «عبده» التائه بين أمان أسرته ودار الرعاية (فيديو وصور)

فيتو

ماذا لو انتزع طفلك الصغير، ذو الأربع سنوات، من بين يديك وساقوه إلى دار للرعاية ليعيش فيها، وعيون طفلك تقول لك لا تتركنى وحيدًا؟.. يا ترى أتعيش سعيدًا وأنت تعلم أن الطفل الذي كان آمنًا بين أحضانك في مكان آخر يعيش وحيدًا، أم أن الندم يمكن أن ينهشك ويورثك عذابا تتجرعه ليل نهار.


أنقذوني

ذلك ما يحدث بالضبط مع الطفل عبده، الذي لقي الحب والأمان مع أسرة احتوته منذ عام ونصف العام، عندما كان عمره 3 سنوات، لكن المجتمع يأبى أن يترك عبده يعيش حياته بشكل طبيعي مع أسرة تحبه، وأرادوا انتزاعه لإيداعه دار رعاية.

حكاية "عبده"، حسبما سردتها صفحة "أطفال مفقودة"، بدأت في منتصف فبراير عام 2018، في أحد شوارع محافظة الغربية تحديدًا في طنطا، كان عبده، طفلا لم يتعد عمره 3 سنوات، يسير وحيدًا في الطريق، لكن القدر كان رحيمًا بالطفل فأرسل له "محمد"، شاب صغير يقف على قارعة الطريق، فاحتضنه وكان لسان حاله يقول "أنقذني"، كان الجسد النحيل للطفل به آثار تعذيب وندبات من أثر إطفاء سجائر به.

استجاب "محمد أبو ليلة" لنداء القدر، فأخذ عبده لمنزل أسرته، التي فرحت كثيرًا بالطفل وقطعت الأسرة على نفسها عهدًا بتربية الطفل وسط الأبناء ليصبح شقيقًا لهم.

إجراءات قانونية
بدأت الأسرة تأخذ الإجراءات القانونية لاحتضان الطفل، فتم تحرير محضر في قسم طنطا بعثورهم على الطفل، وأخذوا في تربية عبده لعيش حياة طبيعية، ولم تتوقف أسرة محمد عن البحث عن أسرة عبده، وخلال العام الماضي نشرت أسرة محمد صورة عبده في أكثر من برنامج تليفزيوني بحثا عن أسرته، لكن بلا جدوى.

ومع مرور الأيام ازداد تعلق أسرة محمد بعبده، وكان يعامل كابنهم الفعلي، لتأتي اللحظة الحاسمة، عندما قررت الأسرة أن تلحق عبده بحضانة ليبدأ أولى خطواته في التعليم، لكن عبده لم تكن لديه شهادة ميلاد، فما كان من أسرة محمد إلا أن عادت للقسم مرة أخرى لاستخراج شهادة ميلاد للطفل.

وكانت المفاجأة التي زلزلت الأسرة، أن القانون الذي يرفض أن يمنح الطفل اللقيط شهادة ميلاد أو أن يعيش وسط أسرة تمنحه الحب والأمان دون أن تودعه دار رعاية، وكان قرار النيابة "يودع الطفل دار رعاية" وألا يذهب مع أسرته التي تقوم بتربيته إلا من خلال الدار.

معاناة
هنا بدأت معاناة أسرة محمد، فالطفل تربي لمدة عام مع الأسرة، لا يعرف له أبا أو إخوة إلا في هذه الأسرة، واليوم يأتي انتزاع الطفل من الأسرة ليجدوا له شهادة ميلاد، لتبدأ سلسلة من التساؤلات "كيف سيعيش الطفل بدون أسرته الجديدة التي أحبها وعوضته عن فقدان أهله؟ وهل سيتقبل حياته الجديدة بدون حب هذه الأسرة؟ وهل تستطيع أسرة محمد الاستغناء عن عبده بعد أن منحتهم ضحكاته الحياة؟!"

وجاء رد محمد سريعًا بفيديو بثه على "فيس بوك"، أنه يرفض بشكل بات أن ينتزع عبده من الأسرة ويودع دار رعاية، "على جثتي حتى لو دخلت السجن، أنا أحترم القانون لكن أطالبكم بتطبيق روح القانون، لا تأخذوا عبده من أسرة اعتبرته أحد أبنائها واحتضنته" كانت الكلمات تخرج من محمد محملة بدموع الخوف على الطفل، وتوسلات لكل من يمكنه المساعدة ليبقي عبده مع أسرة محمد.

قضية رأي عام
وقال والد محمد، مسعد أبو ليلة، في تدوينة له على فيس بوك: "أنا والد محمد وبودى، وعضو مجلس الشعب السابق وللأسف الشديد سنة كاملة بين النيابة والصحة والأحوال المدنية، وللأسف الشديد مواد القانون تنص على تسليم الطفل لدار الرعاية.. ومحتاج تعديل بعض مواد القانون كى نتمكن من الطفل، لكن مهما كان قرار النيابة مش هنسلم الطفل أبدا مهما كانت العواقب، حتى لو دخلت السجن.. ولتكن قضية رأى عام وأنا منزل بصفحتى استغاثة للسيد رئيس الجمهورية بالموافقة لوجود الطفل معنا ولاستخراج شهادة ميلاد له.. وأعتقد أن دا طلب مشروع كى نكفل هذا الطفل ونقوم على رعايته وتربيته.. وكما رأيتم انهيار محمد ابنى وليس محمد فقط بل الأسرة بأكملها.. والصبح هنكون أمام مدير النيابة ومنتظرين قرار النيابة غدا.. دعواتكم والوقوف بجوار ابنى بودى".

وزارة التضامن
"الناس في القسم تعاملوا معاهم بمنتهي الذوق، وفي النيابة بمنتهي الذوق، ولكن فين الإنسانية بإنك تاخد طفل من أهله اللي ميعرفش غيرهم عشان ترميه في دار رعاية بالرغم من أنه في أمان مع الأسرة دي، إيه المنطق!"، هكذا علقت صفحة "أطفال مفقودة" على حالة انتزاع عبده من أسرة محمد.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكن الصفحة قامت بالتحرك السريع: "تواصلنا مع وزيرة التضامن، ومع مسئولين في وزارة التضامن ووعدونا بإنهم يحاولوا يشوفوا مخرج قانوني يتم من خلاله تسليم الطفل للأسرة، وبنتمنى ينجحوا، وكمان بنتمنى يتم تعديل الإجراءات عشان الموقف ده ميتكررش لأن بسبب المواقف دي الناس بتاخد الأطفال وتزور أوراق وتتحول لمجرمين".

الجريدة الرسمية