رئيس التحرير
عصام كامل

إعلامك فاشل يا حكومة


لا أدري إلى متى ستستمر الحكومة تخشى الاقتراب من الملف الشائك والمعقد لفشل «منظومة الإعلام الحكومي» وما يحققه من خسائر سنوية، تدفعها بشكل ثابت ومنتظم من أموال الشعب ودافعي الضرائب، في الوقت الذي تنادي فيه بالتقشف، وتقليص منظومة الدعم على السلع والخدمات والضمان الاجتماعي، دعما لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.


ورغم تضامني الكامل مع ما تقوم به الحكومة من إجراءات -قد تكون قاسية- لإصلاح منظومة الاقتصاد المصري، إلا أنني أؤكد أنه من غير المنطقي ترك قطاع «الإعلام الحكومي» منذ منتصف عهد مبارك على ذات الحال الكارثي، دون أن يجرؤ مسئول واحد على الاقتراب منه، سواء بالإصلاح، أو محاولة وقف نزيف الخسائر التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات سنويا.

فمنذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتحديدا مع تقلص سوق الإعلان في مصر، والمؤسسات الصحفية القومية بالكامل تحقق خسائر سنوية رهيبة تتحملها الخزينة العامة للدولة، وزاد هذا الوضع سوءا بعد ظهور المواقع الإلكترونية، واندلاع ثورة يناير (كانون الثاني) 2011. وتعقد الأوضاع الاقتصادية، مما أدى لانهيار سوق الإعلان، وتقلص التوزيع، وزيادة فاتورة الخسائر السنوية.

ولعل الغريب في أمر الدولة -التي لم تحاول حتى الاقتراب من هذا الملف- أنها تركت تلك المؤسسات تستمر في إصدار صحف أغلبها لا يحقق توزيعا يصل إلى ألف نسخة يوميًا، ومجلات أجزم أنه لا يقرؤها سوى العاملين فيها، ولا تحقق توزيع يزيد عن الـ 100 نسخة أسبوعيا، ولا يراها حتى العاملين في الوسط الصحفي منذ سنوات، وما زالت كل هذه الإصدارات تصدر بانتظام، بل والأغرب من هذا، أنها مازالت تضم سنويًا العشرات من الصحفيين والعاملين والفنيين والإداريين والعمال الجدد.

لقد وصل حجم الكارثة في المؤسسات الصحفية القومية التي ما زالت «الحكومة» تمولها من أموال الشعب، على اعتبار أن تلك الأموال حقا مكتسبا لتلك المؤسسات، أن جميعها رغم ما تحتويه من كوادر صحفية وفنية على درجة عالية من الاحترافية، فشلت حتى اليوم من بث موقع إلكتروني واحد ينافس أي من مواقع المؤسسات الصحفية الخاصة، رغم الفارق الرهيب في الإمكانات المادية والبشرية والأوضاع الوظيفية المستقرة، ولم تجرؤ أي من إدارتها على الخروج بقرار شجاع بوقف أي من إصداراتها الفاشلة، على اعتبار أنهم جميعا يعملون في «تكية الحكومة».

في الوقت الذي تركت فيه الحكومة مبنى التلفزيون في ماسبيرو بما يحتويه من عشرات القنوات الفضائية والأرضية على ذات وضعه المتردي منذ سنوات يستزف مليارات الجنيهات شهريًا، على الرغم من علمها «يقينا» من فشل كل تلك القنوات من تحقيق الغرض منها، بعد انصراف المشاهدين عنها؛ لضعف محتواها وعجزها عن مجاراة الطفرة الرهيبة في القنوات الخاصة، سواء في مصر أو الدول العربية الشقيقة، سواء في التقنيات أو سرعة نقل الخبر أو حتى المعالجات المهنية للأحداث.

للأسف إن الواقع يقول إن الإعلام الحكومي المصري في أزمة، على الرغم من احتوائه على آلاف الكوادر المهنية، ومن غير المنطقي أن تستمر الحكومة في دعمه بمثل هذا الشكل الذي يعد «إهدارا للمال العام»، وإن الحل المطروح من البعض لبيع عدد من الأصول غير المستغلة تلك المؤسسات لسداد مليارات الجنيهات المتراكمة عليها كديون للتأمينات الاجتماعية والضرائب، يعد حلا عاجزا ومؤقتا في ظل ترك الأمور على ما عليها من سوء.

المنطق يقول إن الأمر أصبح يحتم ضرورة التخلي عن «سياسة النعام» ودفن الرءوس في الرمال، من خلال تدخل الحكومة بشكل جاد وحازم لوقف نزيف الخسائر، ورسم سياسات تتواكب ومتطلبات ولغة العصر تمكن تلك المؤسسات من الاكتفاء ماليا - بعيدا عن المساس بحقوق العاملين - حتى لو تطلب الأمر دمج أو حجب القنوات والإصدارات الفاشلة.
فهل من مجيب؟.. أتعشم.
الجريدة الرسمية