رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

إعلام الـ «تيك اواي»


للأسف منذ سنوات ونحن نعيش عصر إعلام ماسخ وتافه وسطحي، لا وجود فيه "للتحقيق والحوار والتحليل والتقرير" التي تعد من أساسيات المهنة، اعتمادا على "سقطات ولاقطات" لا طعم لها ولا لون، ولا تقدم سوى كل ما هو مشوه ومسيء للمجتمع، بهدف استقطاب أكبر عدد من القراء والمشاهدين، بعيدا عن المضمون الهادف والجاد، الذي يعتني بمشكلات المجتمع وهمومه وقضاياه.


فمنذ سنوات غير بعيدة طرأ على الوسط الصحفي والإعلامي متغيرات جديدة بحكم التطور التكنولوجي الكبير الذي شهده العالم، ظهر معه عدد من المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، احتل بعضها الريادة بحكم مواكبتها للتطور وحرصها على مواكبة المرحلة مع الاحتفاظ بالمهنية، وكانت النتيجة الطبيعية هي نجاح التجربة وازدهارها بشكل مكن كيانات إعلامية لم تكن موجودة على أرض الواقع من تصدر المشهد الصحفي والإعلامي باقتدار، وهو إنجاز بالتأكيد يحسب للقائمين على تلك التجارب.

في الوقت الذي عزفت فيه مؤسسات كانت "عملاقة" عن مواكبة التطور، فظلت على ذات رتم العمل الذي كان متبعا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مثلما هو الحال في كل المؤسسات الصحفية الحكومية، وقنوات ماسبيرو، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك التخلف هي انصراف الجماهير عنها، وتحقيق خسائر سنوية تقدر بمليارات الجنيهات.

ووسط هذا التطور، بدأت كيانات إعلامية حديثة محاولات مستميتة خلال السنوات الأخيرة لخلق وجود لها في الأسواق، ومنافسة أصحاب الريادة، ومن قدر الله لهم النجاح بحكم مواكبة التطور، إلا أن تلك الكيانات ظهرت وللأسف دون إمكانات مادية أو بشرية تمكن أيا منهم من تحقيق الحد الأدنى من النجاح، وتحقيق أول العناصر التي مكنت تلك الكيانات الناجحة من احتلال الصدارة، ألا وهي "سرعة تقديم الخبر".

ووسط هذا الصراع، كان النتيجة الطبيعية لهؤلاء هي البحث عن بدائل مهنية جديدة للمنافسة، واستقطاب العدد الأكبر من القراء والمشاهدين، تتيح لتلك المواقع والقنوات احتلال موقع متقدم على مؤشر رصد الترتب، فتم استبعاد ميزة "الانفراد" والسرعة في نشر وإذاعة الخبر، بالاعتماد على ما يسمى بـ "صحافة اللقطة" التي أفقدت الصحفي ميزة "العمل الميداني".

وتحول الصحفي بحكم التطور من باحث عن "الخبر والتحقيق" والمعلومات التي كانت تمكنه من تقديم "تقرير" محترم للقارئ، إلى "موظف" ملزم بالجلوس أمام شاشة الكمبيوتر في "شفت" لا يقل عن 8 ساعات يوميًا، يقلب في المواقع الإخبارية الشهيرة ومواقع التواصل الاجتماعي، بحثا عن خبر أو سقطة لأي مسئول أو نجم أو نجمة، يبني عليها قصة تافهة تثير الرأي العام، وتحقق قراءات ومشاهدات من فراغ.

وتحول الإعلام كنتجة طبيعية لمتطلبات المرحلة إلى التركيز على "فلانة قلعت الحجاب" و"فلانة بملابس عارية في المهرجان الفلاني"، و"أول صورة لفلانة بعد الطلاق"، و"فلان يهاجم فلان"، و"فلانة ترد على فلان"، والتركيز على العناوين المجهلة، وحوادث الدعارة والمخدرات والفضائح، بعيدا عن كل ما هام ومفيد للمجتمع.

للأسف إن الواقع يقول إن إعلام المرحلة تحول إلى "إعلام تيك اواي" لا يثمن ولا يغني من جوع، شوه كل ما هو جميل، ورسخ لكل ما هو سيء، وتخلى عن كل القواعد المهنية التي تهدف إلى التعليم والتثقيف والاهتمام بمشكلات المجتمع، بعد أن تخلت كل المؤسسات المعنية بالتدريب والتطوير وضبط إيقاع العمل الإعلامي عن مسئوليتها، وتفرغ قادتها لصراعات الاستحواذ والتكويش على مناصب، تمكنهم من تحقيق شهرة ومكاسب أكبر وأضخم، وليذهب الإعلام والمجتمع إلى الجحيم.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
Advertisements
الجريدة الرسمية