رئيس التحرير
عصام كامل

«الشيخ مسعود».. قصة «كفيف» قادته الصدفة إلى عالم «الدش»

فيتو

عيناه مغلقتان.. نعم، فقد بصره لكن ما زالت بصيرته قادرة على أن تقوده حيث يريد، يتجول أينما شاء وقتما شاء، يحفظ طريقه جيدا، يتعامل مع أدواته باحترافية، تقيه الخطأ الذي قد يتسبب في إصابات بالغة...



«عدته».. هي ثروته التي تعينه على تحمل أعباء الحياة، يتحمل مشقة الحياة وحيدا، ويحمل معها هموم 5 أفراد، (3 ذكور، وفتاتين)، هم قوام أسرته.

«مسعود» فقد بصره، لكنه ما زال يحفظ يقين ووعود ربه في قلبه.. يقاوم، ويسعى، لم يستسلم يوما، يواجه الحياة بكل صعابها، محملا بآمال تعينه على «كدر العيش».

«مسعود فهيم» صاحب الـ 41 سنة، يعمل مؤذنا بالأوقاف، درس في كلية اللغة العربية ولكن لم يتخرج منها لظروف ما، حين تنظر إليه تستشعر لذة الحياة لما تراه من قلب مُلأ بالرضا، وابتسامة وجهه البشوش التي تمنحك سعادة لا متناهية.

تفوق «الشيخ مسعود» - كما يناديه جيرانه ومحبوه - عن غيره من ذوي القدرات في قدرته على صيانة أجهزة الستالايت، وبرمجة وصيانة الريسيفرات وتركيب أطباق الدش، بجانب صيانة مكبرات الصوت وسماعات المساجد وتأسيسها.

داخل حجرة صغيرة لا تزيد مساحتها عن الثلاثة أمتار بمنطقة "كفر حكيم" في الجيزة، اعتاد هذا الرجل الجلوس لساعات متواصلة تاركًا أنامله تداعب قطعة حديدية صماء ليعيدها إلى الحياة مرة أخرى، يسرد تفاصيل وقوعه أسيرًا في شباك عشق هذه المهنة التي أتقنها منذ 18 سنوات، بقوله: «لو لم أتقن شيئًا ما اقتحمته، فأنا بطبعي عنيد، وبداية دخولي هذا المجال كانت صدفة بحتة، حينما كنت أصلح الريسيفر الخاص بى وحاولت مرارًا وتكرارا حتى نجحت»، مضيفًا: «بقيت أهد اللى عملته وأصلحه تاني، كنت بادرب نفسي على الحاجة في الظلام، وبعد كدة أكشف عنها الغطاء قدام الناس».

أخذ الله منه نعمة البصر ولكن عوضه بالبصيرة، فقد كان «الشيخ مسعود» على موعد مع العيش في سعادة ولكنه تأجل إلى الأبد، حيث يرجع سبب فقدانه نعمة البصر لكثرة المياه الزرقاء على العين التي أدت به إلى العمى وهو في سن الثانية من عمره، «ربنا خد منى نعمة البصر لكن عوضنى بالبصيرة، بحس الحاجة بأيدي زى ما بتشوف الحاجة بعنيك، وده قدرى».

لم يفقد صاحب الـ 41 عاما بصره كما يظن البعض، طالما كانت زوجته وأبناؤه برفقته في كل خطوة، الشمس التي تُحول عتمته إلى نور، تدفع عنه اليأس كي يصل لأحلامه، تهزم وحدته بحكاياتها، عكازه الذي يتوكأ عليه حتى لا يسقط، «أولادي وزوجتي شالوا عني حاجات كتير وساعدوني في إنى أقف على رجلي وأوصل للمكانة دى، علمتهم مهنة صيانة الأجهزة الكهربائية علشان يكونوا عيني اللى باشوف بيها، اسألهم عن حاجة في الألوان، أو عن لمبة نورت ولا لأ.. لحد ما اتعلموا المهنة وأصبحوا يحلوا محلي».

تحايل «الشيخ مسعود» على المرض، وبدأ تدريب نفسه منذ الصغر على العمل بدون عيون، حتى أصبح له قصة كفاح يحكيها بحماس وجه مملوء بالسعادة، «تعبت كتير وواجهت صعوبات في البداية علشان أقنع الناس أني باعرف أركب أطباق الدش أو أصلح ريسيفرات، وفضلت على الحال ده سنتين لحد ما قدرت أثبت للناس أنى كفء، الأمر بدأ في محيط الأقارب والأصدقاء لحد ما الكلام كتر عنى واتشهرت في المنطقة، والناس بقيت عارفانى بس متعرفش ايه اللى جوايا».

«لما جالنا الشيخ مسعود وقالنا أنا ممكن أصلح الريسيفر أو الدش قلنا في بالنا هو ده بيضحك علينا ولا بيضحك على نفسه، ازاي أعمى هايعمل حاجة زى كدة؟ لحد ما ربنا كرمه وبقى مهندس في صيانة الحاجات دى، وبيعرف يركب سماعات المساجد ويصلحها، وبيسوق التوكتوك بس بيحتاج حد جمبه يوجهه يمين أو شمال»، هكذا حدثنا «على عزت» أحد أقارب "مسعود فهيم"، عن بداية دخوله المجال وإقناع الجميع بقدراته الخاصة.
الجريدة الرسمية