رئيس التحرير
عصام كامل

40 عاما في حُب الكاميرا.. مذكرات أول مصورة صحفية في مصر

فيتو

بشغف فتاة عشرينية تقبل منى شرف أول مصورة صحفية في مصر والوطن العربي على جهاز "اللاب توب" الخاص بها، تبحث بين عشرات الملفات أمامها، عن ملف يعد خزان ذكرياتها الذي لا يجف معينه، يحمل اسمها، "منى شرف أول مصورة صحفية في مصر"، تقلب بين عشرات الصور التي يحويها، وبذاكرة فولاذية تستعيد ذكرى كل صورة وفي أي عام التقطتها، "الذاكرة على قدها لكن أنا لسه فاكرة كل صورة اتصورت امتى وفين".


ما بين تغطية ميدانية لتظاهرة أو ماراثون انتخابي، أو قصة إنسانية لأحدهم، تتجدد الذكرى لدى "شرف" التي قضت ما يزيد على نصف عمرها في دهاليز الصحافة.


وُلد شغف المصورة الكبيرة للكتابة بصفة عامة والصحفية منها بصفة خاصة منذ كانت في السنوات الأخيرة من المرحلة الابتدائية، كانت تنتمي لأسرة ميسورة الحال تقطن أحد شوارع حي الزيتون بالقاهرة، تعبث بمكتبة والدها النهم للقراءة والاطلاع، وتنشأ على متابعة كل ماهو جديد في عالم روايات يوسف السباعي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهم، ومع مرور الوقت وتقدم العمر، تلتحق منى بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية في جامعة عين شمس، ثم تحصل على دبلومة من الجامعة الأمريكية، ومن خلال الالتحاق بتلك الجامعة يتسنى لها العمل كمحررة صحفية لوكالة united press الإخبارية: "كنا وقتها سنة 1976 بقيت لما أنزل أغطي حدث أحتاج له صور، وأطلع على الأهرام أستعين ببعض الصور التي التقطها زملائي المصورون، وفي مرة من المرات قررت إدخل مجال التصوير اللي وقتها كانت أي بنت لازم تفشل فيه مهما بلغت قوتها".


البداية كانت من داخل مكتب "محمد يوسف" أحد أكبر مصوري مصر آنذاك، أرادت الحصول على صورة من جريدة الأهرام تتعلق بالخبر الذي أعدته للنشر في الصحيفة التي تعمل بها من خلال إرسال الخبر عبر هيئة الاتصالات، علقت منى حينها على الصورة قائلة "الصورة مش حلوة كان ممكن تتاخد بشكل أفضل من زاوية أخرى"، حينها ألقى يوسف الجملة التي كثيرا ما دارت في رأسه كلما قرأ تقريرا أو خبرا لمنى، "إذا هي مش عاجباكِ صوري إنتِ.. يا منى أنتِ لديك حس صحفي عال تجاه الصورة اللي بتكون مرفقة بالموضوعات، ليه متشتغليش مصورة، نفسي أطلع من تحت إيدي مصورة بنت ناجحة وتكمل لآخر المسيرة المهنية، وحاسس هتكوني أنتِ الشخص ده".
خرجت منى من المكتب والفكرة تدق رأسها بقوة :" خد القرار في لحظتها وقلت لازم أكون مصورة واتحمل المهمة وأكمل للآخر".


كان وزن الكاميرا يصل إلى أكثر من 20 كجم، تحملها منى لتغطية الأحداث التي بدأت تتلاحق الحدث تلو الآخر، خاصة في نهاية السبعينات وتحديدا عام 1979 في أول زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "مناحم بيجين" لمصر، ولقائه بالرئيس الراحل أنور السادات، "وقفت وسط القاعة أمام الباب كنت أول مرة أمسك كاميرا ومن وجهة نظري إني لو وقفت في نص المدخل هاخد أفضل صورة، طوفان من المصورين انقض عليا، كدت أسقط على الأرض، السادات وقف وقال البنت أنقذوها وأنا واقفة وخلاص هقع، وقدرت ألتقط الصورة"، وبالفعل سجلت كأفضل صورة التقطت لبيجين والسادات أثناء وجودهما بالقصر الرئاسي".

لاقت حينها منى ترحيبا هائلا من جموع المصورين الصحفيين في مصر والعالم العربي، رُحب بها في هذا الحقل الذي كان قاصرا ولسنوات طويلة على الرجال دون غيرهم، "رسميا أصبحت مصورة صحفية أصور وأحرر شغلي بنفسي".


على مدار أربعين عاما من العمل الدائم بلا انقطاع، شاركت منى في تغطية عشرات الأحداث التي شهدتها مصر، ووثقت خلالها وبهذه الآلة الحديدية  الكثير من الأحداث: "أنا بحب الكاميرا دي ولذلك الكاميرا بتديني أفضل ما لديها دون أن تبخل عليّ".

دموع فرحة ونشوة انتصار أحيانا، يأس وحسرة وغضب أحيان أخرى، ما بين هذا وذاك وضعت منى اسمها في سجل تغطية أكبر وأهم الأحداث على حد قولها: "أهم حدث بالنسبة لي واللي فخورة جدا بمشاركتي فيه، هو استرداد آخر جزء من أرضنا في طابا، كان الرئيس مبارك بيستلم الأرض ويضع العلم من فوق أعلى قمة جبل، وكدت وقتها أفقد حياتي، لأن الجبل كان مليئا بالحصى ولما كنت بصعد رجلي فلتت وأحد الضباط المساعدين أنقذني في اللحظة الأخيرة".

شاركت منى في تغطية أحداث انتخابات عام 1987، وكأس الأمم الأفريقية في نهاية الثمانينات، احتجاجات قوى الشباب في جامعة القاهرة، والظهور الأول للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عقب إصابته في حادث اغتيال السادات عام 1981 كان بتوقيعها، فضلا عن القصص الإنسانية والتقارير الصحفية الخاصة بعمليات إنقاذ الآثار من الغرق في المياه بالإسكندرية، وعمليات تطهير قناة السويس عقب انتهاء عمليات السلام من "النابالم" الذي أمطرت به القوات الإسرائيلية منطقة القناة كاملة.


على الرغم من الترحيب الواسع الذي لاقته منذ اليوم الأول من دخولها مجال التصوير الصحفي، وتشجيع الكثير من الزملاء لها، إلا أنها ما زالت تحتفظ بمواقف تحفيزية خاصة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، في كل مرة كانت تشارك في تغطية حدث يشارك به، "في إحدى المرات كان لقاء جمعه بملك السعودية وكنت شايلة الكاميرا في يوم عاصف جدا وخايفة عليها، هو شافني وقال أنا هكافئها وكانت المكافأة أن ظل ينظر إلى كاميرتي أنا أثناء اللقاء"، ما ترتب عنه أن أصبحت صور منى هي الأفضل بين لقطات سجلها مئات المصورين: "نزلت وقتها صورتي لهما في الصفحة الأخيرة بالليبراسيون الفرنسية".

لا تنسى منى أيضا شغفها الذي جعلها تكسر "فازة" كبيرة كانت تتوسط مدخل حجرة انتظار بقصر الرئاسة بينما كان الرئيس مبارك يتأهب لاستقبال إحدى الشخصيات الحاكمة، "وقتها جذبهم حماسي وإقبالي على الشغل، أكثر من الحدث ذاته".

عام 2007 كانت نقطة النهاية بالنسبة لمنى في مجال التصوير بمصر، انتقلت إلى دولة قطر للعمل بها، ظلت تعمل في إحدى المؤسسات الخيرية كمسئول إعلامي، حتى نهاية عام 2016: "حصلت مشكلات في ظهري وكان لابد من ترك مجال التصوير نهائيا".

سطرت أحرف النهاية في سجل منى الحافل بالمغامرات والصعاب، لكن حبها للكاميرا بدا وكأنه يكبر كلما تقدم بها العمر، تدللها وتحنو عليها، تزيل عنها غبار سنوات كُثر، تعود معها للوراء حيث كانت شاب فتية تحرص دائما على أن تكون في مصاف موثقي الحدث الصحفي فور وقوعه.
الجريدة الرسمية