رئيس التحرير
عصام كامل

نفتقد مراكز استطلاعات الرأي الجادة!


ما زلنا نفتقد مراكز معلومات ودراسات واستطلاعات حقيقية، بإمكانها الاضطلاع بمهمة إخراج استطلاعات رأي جادة ورصينة، تقنع المواطن البسيط الذي يحتاج لمثل هذه الحقائق الكاشفة لشتى جوانب الواقع، المتنبئة باتجاهات المستقبل واحتياجاته وتحدياته، وتقدم في الوقت ذاته بدائل مهمة وحلولًا قائمة على العلم والدراسة المستفيضة لصانع القرار الذي لا يمكنه القيام بكل شيء لوحده.


وحتى لا نجافي المنطق فثمة جهاز وطني على درجة عالية من الأهمية، وهو جهاز التعبئة العامة والإحصاء الذي يقدم معلومات جرى جمعها ومعالجتها بأعلى درجات الإجادة والتوثيق، ويمكن الوثوق بها لرسم ملامح الواقع بشتى أبعاده ومكوناته.. لكن رصد الحوادث اليومية والقضايا المتغيرة بشتى درجاتها لا تدخل في اختصاص هذا الجهاز الوطني الرصين..

وكنا نرجو لو قام مركز معلومات مجلس الوزراء بسد هذا النقص على أسس علمية مدروسة لا تكتفي بسرد الحدث مجردًا، بل تقدم معه تحليلات معمقة، واستنتاجات علمية ترسم خارطة طريق للمستقبل، كما تفعل مراكز الأبحاث المرموقة في كل الدنيا، والتي لا تترك شاردة ولا واردة دون رصدها والوصول لحقيقتها، ورغم أن مصر عرفت مراكز استطلاع رأي مستقلة، لكن العجيب أن أحدها قام للأسف باستطلاع رأي حول توافه الأمور من عينة أحسن لاعب، أو أحسن فنان.. وكان حريًا به لو أنفق جهده وموارده فيما يجدي وينفع الوطن والمواطن ويمس شواغلنا وهمومنا وطموحاتنا في غدٍ أفضل.

استطلاعات الرأي الجادة لم تعد في رأيي ضربًا من ضروب الترف، بل صارت ضرورة وفريضة يفرضها الحراك المتنامي الذي يشهده مجتمعنا، والإيقاع المتسارع والدرامي للأحداث داخليًا وخارجيًا؛ فلم تعد السياسة غائبة عن أحد بفضل ما تغمرنا به "السوشيال ميديا" من أخبار ومعلومات ومغالطات وشائعات لا تجد في كثير من الأحيان من يفندها ويتصدى لها في وقتها.

كنا نرجو لو خرج علينا استطلاع رأي حقيقي يجيب عن كل تساؤلات الشارع، وما يختلج في النفوس من أمانٍ ومخاوف، وما يسود من انطباعات وتصورات صيغت في غيبة المعلومات الصحيحة.. استطلاع بوسعه أن يجيب مثلًا عن تساؤلات مثل: هل عبر اقتصادنا مرحلة الخطر؟ وما وضع الاستثمارات المحلية والخارجية؟ هل زادت معدلاتها أم تراجعت؟ وما مدى جاذبية بيئة الاستثمار في مصر؟أهي جاذبة لرأس المال الأجنبي أم طاردة؟

وهل أدى قانون الاستثمار الجديد لتحسن ذلك المناخ؟ وماذا عن التعليم والصحة.. هل وضعت المبادرات المختلفة يدها على الخريطة الصحية لمصر.. وأسهمت في إنعاش الصحة المعتلة؟ وماذا عن معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة وخصوصًا فيروس سي الذي وفرت الدولة الكشف عنه وعلاجه بالمجان؟

وماذا عن قائمة انتظار العمليات الجراحية التي وجّه الرئيس السيسي بضرورة الانتهاء منها في أسرع وقت ممكن؟ هل تحسنت منظومة الصحة في ظل الخطط والبرامج المطروحة أم لا تزال تحتاج لمزيد من الجهود حتى تؤتي ثمارها، ولاسيما فيما طرحه الرئيس من مبادرات يأتي على رأسها مبادرة "100 مليون صحة" التي فحصت حتى الآن أكثر من 27 مليون مواطن في شتى ربوع مصر؟

وماذا عن التعليم وعجزه عن مواكبة سوق العمل ومتطلبات التنمية المستدامة؟ وماذا عن برامج التطوير والتغيير والترشيد التي بدأت الحكومة في تنفيذها.. هل تراجعت معدلات الإنفاق العام.. أم زادت؟ وماذا عن الصادرات المصرية وقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية وحجم التجارة البينية مع الدول الأخرى؟

وهل يميل الميزان التجاري لصالح مصر أم لصالح الخارج؟ وماذا عن عوائد الضرائب.. هل هي نتاج إنتاج حقيقي يكسبه رجال الأعمال والمواطنون على اختلاف درجاتهم أم هي مجرد جباية تفاقم أعباء الناس وتنتقص من قيمة الأصول والممتلكات؟ وماذا عن الاقتصاد الموازي الذي يكاد يعادل الاقتصاد الرسمي.. وهل نجحت جهود الحكومة لإدماجه ضمن اقتصاد الدولة التي تستمد قوتها من قوة اقتصادها وتعليمها وإنتاجها وجيشها وتماسك جبهتها الداخلية؟.
الجريدة الرسمية