رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل زار الرسول الصين؟!


هذا هو المقالُ الثالثُ والأخيرُ عن أشهر الأحاديث الموضوعة التي يرددها خطباءُ المساجد، حتى صارتْ تُجسِّد إسلامًا موازيًا لا علاقة له بجوهر الإسلام الحقيقى، لأنها ليست أكثر من أحاديث خُرافة.. ومن أراد الاستزادة والاستنارة يمكنه الرجوع إلى ما ذكرتُه آنفًا وأذكرُه اليوم من أسماء الكتب والمراجع المعنية بتخريج الأحاديث وتبيان صحتها من ضعفها، حتى يتحرر من قيود الجهل التي فرضناها على أنفسنا طواعية، والاستسلام لثقافة سمعية، إثمُها أكبر من نفعها، من شيوخ مُنقادين، لا يملكون من أمرهم شيئًا.


بعضُ الذين يغمزون ويلمزون في السُّنة النبوية الشريفة يستخدمون حديث: "اطلبوا العلم ولو في الصين"، للنيل منها والطعن فيها وتجريحها، ويتساخرون: وهل زار الرسول الصين، وهل كانت الصين مُصنَّفة كدولة متقدمة في هذا الوقت؟ لا شك في أنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويتصدَون للحديث في أمرٍ، هم دونَه على كل حال، فالحديثُ مكذوبٌ ولا أصلَ له، بحسب "الألبانى". الوصفُ ذاته ينطبقُ على حديث: "من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبْه فاقة أبدًا"، فهو ضعيف بإجماع: "العلل المتناهية" و"تنزيه الشريعة" و"الفوائد المجموعة".

من يخلطون الدين بالسياسة، يسترشدون أحيانًا بحديث: "كما تكونوا يُولًي عليكم"، وهذا أيضًا حديثٌ موضوعٌ، كما جاء في: "كشف الخفاء" و"الفوائد المجموعة" و"تذكرة الموضوعات".

بعضُ العوام يؤذنون في آذان مواليدهم تبرُّكًا، استنادًا لحديث يترددُ على مسامعهم دائمًا ويظنونه صحيحًا وهو: "من وُلد له مولودٌ، فأذَّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان"، وهذا ليس حديثًا نبويًا شريفًا بإجماع: "الميزان" للذهبي و"مجمع الزوائد" للهيثمي، "تخريج الإحياء".

من الأحاديث المكذوبة أيضًا: "من تمسَّك بسُنتي عند فساد أمتي، فله أجرُ مائة شهيد"، كما جاء في "ذخيرة الحفاظ". الحكم نفسُه يشملُ الروايات المشابهة مثل: "المُتمسك بسُنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد".

لا تخلو خطبة عيد الأضحى من حديث: "أنا ابن الذبيحين"، رغم أنه لا أصل له، كما ورد في: "اللؤلؤ المرصوع" و"النخبة البهية".
من الأقوال الغريبة المنسوبة إلى الرسول الكريم: "النظرُ في المصحف عبادةٌ، ونظرُ الولد إلى الوالدين عبادةٌ، والنظرُ إلى على بن أبي طالب عبادةٌ"، وهذا حديثٌ موضوعٌ بإجماع أهل العلم والاختصاص. الحكمُ ذاته ينطبقُ على حديث: "من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة، كُتبت له براءة من النار ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق".

تجدهم يرددون على مسامعك بصفة منتظمة: "الأقربون أولى بالمعروف" باعتباره حديثًا منسوبًا للنبى الكريم، رغم أنه لا أصلَ له، كما ورد في: "الأسرار المرفوعة"، و"اللؤلؤ المرصوع"، و"المقاصد الحسنة".

هل تعلم – صديقي القارئ- مثلًا أن قول: "خيرُ الأسماء ما عُبِّد وما حـمِّد"، حديثٌ موضوعٌ بحسب: "الأسرار المرفوعة" و"اللؤلؤ المرصوع" و"النخبة".

وأخيرًا.. فإن ما أوردته في المقالات الثلاثة من أحاديث موضوعة ومكذوبة عن النبى الكريم تتردد دائمًا على ألسنة الخطباء والوعظاء ليس إلا نموذجًا لحالة الجهل المُعقدة التي يعانيها المسلمون على جميع المستويات ولا يزالون يدفعون ضريبة هذا الجهل البغيض، وكنت قد قلتُ من قبل: إنه لا يستقيمُ الحديثُ عما يسمونه "تجديد الخطاب الدينى"، دون التنبيه إلى هذه الآفة الخطيرة التي تضربُ الإسلام في العمق ومقاومتها، فضلًا عن تفويت الفرصة على المتنطعين الذين يكرهون الإسلام بالسليقة.

وأجدد اقتراحى مُجددًا بضرورة تعميم منشور أو كتيب بهذه النوعية من الأقوال المدسوسة على النبى الكريم على المساجد، لعدم تكرارها أو الاسترشاد بها، ففى القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ما يُغنى عن هذا السيل العارم المنهمر من الأقوال والمرويات الفاسدة التي لا تقيم دينًا ولا تبنى عقيدة.. والله المُوفِّق.
Advertisements
الجريدة الرسمية