رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

د. أشرف منصور أستاذ الفلسفة: على مؤسساتنا الصحفية رفع سقف الحرية لمنافسة الإعلام البديل

فيتو


  • من دلائل سيطرة الفكر السلفي اعتقاد أن مناقشة أمور الدين كفر وإلحاد 
  • تيارات الإسلام السياسي أضرت بالدين والسياسة 
  • أحد أسباب رفض الفصل بين الدين والدولة الاعتقاد الشائع بأن الدولة التي غالبيتها مسلمة يجب أن يكون دينها الإسلام
  • المفكر في حاجة لمن يتبناه ويحميه ويدافع عنه ضد هجمات التيار الظلامي
  • المجتمع المصري غير مستعد لتقبل إصلاحات على الطريقة التونسية بسبب سيطرة السلفية وانتشار الجهل
  • تعلم الفلسفة ليس في حاجة إلى تعليم نظامي بل إلى عقل متفتح
  • ابن رشد كان ابن عصره ومتسجيبًا لظروفه
  • لكي يحدث تنوير حقيقي يجب أن نسحب من رجال الدين جمهورهم ونضمهم لقافلة التنوير
  •  سطوة وشعبية السلفيين لم تتغير وحملات التكفير وتشويه السمعة ضد المثقفين والتنويريين على أشدها
  • • نشأنا مع صعود التيارات الدينية ومن الصعب على الكثيرين تصور دولة محايدة تجاه الأديان
  • • في عصور سابقة كان سهلا على الناس تصور مفهوم الدولة المحايدة ودولة المواطنة
  • • الأخلاق لا ترتبط بدين معين ونفس المبادئ والفضائل الأخلاقية موجودة في كل الأديان

طائفية، عنف موجه ومنظم، الفكر الديني والسلفي على وجه التحديد يسيطر بشدة، يقود حملات شرسة ضد الحرية ومكتسباتها، مستثمرا تراجع الربيع العربي، وتصدر حركات دينية متطرفة واجهة الأحداث، التي ترتبت على اندلاع الثورات العربية قبل 8 أعوام، ورغم كل ما يحدث، لا تزال مؤسسات تشكيل الوعي وخاصة الصحافة والإعلام بعيدة عن الإلمام بأخطار المرحلة، ولا تمتلك الحس المطلوب لتسويق أجندة التنوير وتحدياته، ومن هنا كان حوار "فيتو" مع أ. د أشرف منصور، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية وسألناه:

• التنوير خطاب ثقافى شامل..أي دور تلعبه الصحافة والإعلام في الوقت الحالي لإعادة توظيف القضية في اهتمامات الشارع المصري؟
مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تقوم الآن بدور تثقيفي وتنويري هام جدًا، وأتعجب من عدم القيام بذلك من مؤسسات صحفية وإعلامية كبيرة، وهذه المؤسسات يجب أن ترفع سقف الحرية، حتى تستطيع منافسة ما يسمى بـ«الإعلام البديل»، وأن تكون على وعي كامل بأجندة التنوير، ومتعاطفة معها ومتفهمة لها بالكامل، وهذا يتطلب إستراتيجية شاملة، منها تركيز الجهود وجمع المثقفين، وزيادة مساحة المواد الثقافية في الصحف والمجلات، وتخصيص برامج فكرية تواجه الفكر السلفي صراحة، وكانت هناك أمثلة كثيرة على مساحات مخصصة لذلك ولكنها اختفت، أيضا كانت هناك صحيفة متخصصة في مواجهة السلفية والأصولية والفكر الظلامي، وهي صحيفة المقال لكنها توقفت، ولم يبق إلا محاولات منفردة ومبعثرة هنا وهناك.

• لو طلب منك كتابة روشتة إصلاح للإعلام والصحافة للاهتمام بهذه القضية، ماذا ستقول فيها مع الأخذ في الاعتبار مكونات الصناعة والمنافسين، واللغة التي يفهمها القارئ المصري؟
-أول شيء يجب الاهتمام به هو البحث عن كوادر من المفكرين، القادرين على الوصول إلى الجمهور عن طريق الأسلوب الشيق المبسط، هذا الكادر موجود لكن في حاجة إلى من يتبناه ويحميه ويدافع عنه ضد هجمات التيار الظلامي، كما يجب تخصيص برامج تنويرية كثيرة في الفضائيات لمواجهة سيل البرامج الدينية والسلفية على القنوات الدينية، والحقيقة أن هذا الكادر التنويري يجب أن يكون معدًا جيدًا في علوم الدين مثل الحديث والفقه كي يستطيع أن يجادل ويناقش من يدعون أنهم شيوخ ودعاة.

• الأفكار الظلامية لا زالت منتشرة بيننا رغم كل ما واجهه المجتمع خلال السنوات الماضية.. ما هي شواهد سيطرة الفكر الديني والسلفي بشكل خاص على المجتمع المصري من وجهة نظرك؟
-الشواهد كثيرة جدًا على سبيل المثال، أحداث العنف التي شهدتها الكنائس على مدار السنوات الأخيرة، وهو عنف موجه ومنظم للغاية، يستغل ما في بعض الناس من جهل لإحداث فتن طائفية، أضف إلى ذلك ظواهر اجتماعية مريضة تلصق نفسها بالدين، مثل الختان الذي لا يزال منتشرًا إلى الآن. وتتضح سيطرة الفكر السلفي بشدة في الحملات الموجهة ضد الإصلاحات التونسية التي تستهدف مساواة الرجل والمرأة في الميراث وتعدل من قوانين الزواج، والمجتمع المصري غير مستعد لتقبل مثل هذه الإصلاحات نظرًا لسيطرة السلفية وانتشار الجهل.

ومن دلائل سيطرة الفكر السلفي اعتقاد الكثير من الناس أن مناقشة أمور الدين من المحرمات، وأن من يناقش فيها كافر أو ملحد؛ ولا تزال سطوة وشعبية الدعاة السلفيين كما هي لم تتغير، ولا يزال تأثيرهم على الناس قويًا. وإلى جانب كل ذلك فإن حملات التكفير والإدانة وتشويه السمعة ضد المثقفين التنويريين على أشدها، حتى أن المتخصصين لا يسلمون منها، مثلما حدث مع الدكتور سعد الدين الهلالي.

• وما هي أخطر الأفكار السائدة في المجتمع التي ترى ضرورة قصوى في تغييرها؟

-الأفكار الخطرة كثيرة، أهمها نزعة الاستعلاء باسم الدين، أي الاتجاه الوثوقي الذي يعتقد أن دينًا ما أو مذهبًا ما أو فرقة ما هي الأفضل وأن الباقي على ضلال، مما يؤدي إلى التمييز والإقصاء والكراهية المتبادلة، كذلك نزعة التماهي الكامل بين المتدين ودينه بحيث ينظر المتدين إلى نفسه على أنه يمثل دينه وأنه المتحدث باسمه وأن على عاتقه الدفاع عنه وحمايته ممن يعتقد أنهم أعداؤه، فهذا هو طريق الإرهاب.

ومن الأفكار الخطرة الاعتقاد في أن العصر الذهبي يكمن في الماضي، وأن كل ما علينا فعله هو الرجوع إليه أو تقليده، وأن السلف أفضل من الخلف في كل شيء، وأن مرجعيتنا تكمن في الماضي لا في الحاضر ولا في المستقبل، فهذا هو التخلف بعينه؛ وأن المسلمين أفضل الأمم في العالم بفضل دينهم، أي أفضل من كل الأمم المتقدمة بسبب شيء لا دخل لهم فيه بل ورثوه عن آبائهم ولم يخترعوه بل نزل عليهم من السماء، وأن المسلم وحده هو الذي سيدخل الجنة وأن كل من أنتج العلم والتكنولوجيا والحضارة والثقافة مصيره إلى النار لأنه ليس مسلمًا؛ مجتمعنا مليء بهذه الأفكار الخطرة التي على المثقفين أن يواجهوها.

• «الدولة لا يجب أن يكون لها دين».. عبارة تتردد كثيرا على لسان المثقفين وأساتذة العلوم السياسية، ولكنها تسبب إزعاجا واضحا للكثيرين أيضا إن لم يكن للغالبية العظمى من أبناء المجتمع، على ماذا يدل ذلك في رأيك وكيف يمكن التعامل مع هذه الإشكالية؟
- من الصعب على الكثيرين تصور دولة محايدة تجاه الأديان، لأننا نشأنا في ظل فترة صعود التيارات الدينية التي كان هدفها تسييس الدين والوصول للسلطة بركوب الدين، في عصور سابقة كان أسهل على الناس تصور مفهوم الدولة المحايدة، دولة المواطنة، حيث انتشر تعبير «الدين لله والوطن للجميع»، ولكن تيارات الإسلام السياسي أضرت بالدين وأضرت بالسياسة.

ومن جهة أخرى يرجع أحد أسباب رفض الكثيرين لفصل الدين عن الدولة إلى أن الدين يؤخذ على أنه هو منبع الأخلاق ومصدرها والقيم عليها والحافظ لها، وأن التربية الدينية تربية أخلاقية والتربية الأخلاقية تربية دينية، وهذا الارتباط بين الدين والأخلاق يؤدي بالكثيرين إلى اعتبار فصل الدين عن الدولة هو فصل للأخلاق والقيم الأخلاقية عن الدولة، فينظرون إلى هذا الفصل على أنه دعوة غير أخلاقية، وكل هذا غير صحيح، فالأخلاق لا ترتبط بدين معين، ونفس المبادئ والفضائل الأخلاقية موجودة في كل الأديان، والكثير من القواعد والقيم الأخلاقية تتصف بالعمومية والكلية والشمول بحيث لا ترتبط في ذاتها بعقيدة معينة أو بنظرية معينة في الألوهية أو بطبيعة الله وطبيعة علاقته بالعالم. 

وعلى الرغم من اختلاف الأديان، فإنها تتفق على نفس القيم والقواعد والمبادئ الأخلاقية، وبذلك فلا معنى لتقييد الدولة بدين معين على أساس ارتباط هذا الدين بالأخلاق، لأن الأخلاق عامة كلية مطلقة، أما الأديان فهي خاصة ومقيدة بلاهوت معين وتاريخ معين وتراث محدد، كما يرجع أحد أسباب رفض الفصل بين الدين والدولة، إلى اعتقاد شائع بين المسلمين، وهو أن الدولة التي غالبيتها مسلمة، يجب أن يكون دينها هو الإسلام، على أساس أن هذه الدولة تحكم مسلمين وبالتالي يجب أن تحكمهم بدينهم وشريعتهم.

وهذا أيضًا اعتقاد خاطئ، فالدولة جهاز سياسي وإداري يقوم بوظائف ليس من بينها القيام على دين معين والمحافظة عليه، وإنما من أهدافها المحافظة على كل الأديان، لا على دين معين، وبالتالي فمن طبيعة الدولة ذاتها كمؤسسة أن تكون محايدة تجاه الأديان، وهذا الحياد يظهر في الدستور في صورة حرية الاعتقاد. 

وفي الدستور المصري آثار من هذا المفهوم المحايد للدولة، أي دولة المواطنة، هذه الآثار هي المواد الخاصة بالمساواة والمواطنة وحرية الدين والعقيدة والعبادة ومنع قيام أحزاب دينية، لكن هذه المواد متناقضة مع مواد أخرى دينية، وبالتالي الدستور المصري يخلط بين تصورين مختلفين تمامًا عن الدولة، الدولة الدينية ودولة المواطنة، وأعتقد أن السبب في ذلك هو عدم التمكن من حل معضلة التراث والحداثة، فيظل الاثنان مختلطين ببعض في تلفيق واضح يظهر في صورة مواد متناقضة في الدستور، على أي حال، دولة المواطنة التي تضمن الحريات والحقوق لجميع مواطنيها دون تمييز هي الدولة المحايدة تجاه الأديان.

• بعض الباحثين في العلوم الإنسانية يؤمنون بأهمية تكاملها وضرورة أن تكون شاملة كل نواحي المعرفة الإنسانية.. قد يسأل البعض، هل يمكن لإنسان مهما بلغ علمه الإلمام بكل شيء؟
-لا يستطيع الفرد الإلمام بكل المعارف الإنسانية، لكن يمكن عن طريق القراءة المتنوعة في أكثر من تخصص تكوين صورة عامة لكل هذه المعارف والإحاطة بها، كما أن في كل علم كتبه الأساسية التي تسمى بالأصول، وإذا تمكن الإنسان من قراءة أصول كل علم سيتمكن من وضع يده على أساسياتها.

• ما هي مكونات صناعة المثقف والعلوم التي يجب أن يجيد فيها، ومن أي مرحلة عمرية يمكن صناعته؟
-المثقف يجب أن يكون ملمًا بالكثير من التخصصات، أهمها الفلسفة والتاريخ والأديان، وبالفكر الغربي ومناهج البحث الحديثة، وفي حالتنا نحن يجب أن يكون ملمًا بعلوم الدين كما قلت من حديث وفقه وسيرة وأصول فقه وعلم كلام وفلسفة إسلامية وتصوف، ذلك لأن المثقف في بلادنا عليه أن ينافس من يسمون برجال الدين، ينافسهم على أرضهم ويهزمهم عليها ويتحداهم بأدواتهم، ولا يتيح لهم السيطرة على عقول الناس، فنحن ورجال الدين نتنافس على نفس الجمهور، ولكي يحدث تنوير حقيقي، يجب أن نسحب من رجال الدين جمهورهم ونضمهم لقافلة التنوير، وهذا لن يحدث إلا بالتثقف العميق في علوم الدين.

• تتحدث كثيرا عن «فلسفة الدين» مع أن الفلسفة والدين كل منهما يملك تصورًا كاملًا للحياة مختلفًا عن الآخر، ما الذي يجمع بينهما من وجهة نظرك؟
-تعبير «فلسفة الدين» ليس جمعًا بين الفلسفة والدين، فالاثنان مختلفان بالفعل، بل هو يشير إلى محاولة دراسة الدين دراسة عقلية منهجية منضبطة، تبحث عن أسباب الظاهرة الدينية الاجتماعية والاقتصادية وبواعث الشعور الديني عند الإنسان، وليست فلسفة الدين تبريرًا لعقائد دين معين، فالفلسفة لا تبرر أي شيء، بل تبحث عن أصوله وأسبابه، وإذا كان الدين يبدو في الظاهر على أنه مليء بالأسرار والغموض والغيبيات، فإن فلسفة الدين بمنهجها العقلي تزيل ما يبدو على الدين من أسرار وألغاز، وتكشف عن السبب في سحره وهيبته وقدسيته.

• لماذا يسير الغرب على اتجاه مناقض تماما للشرق في نظرته للكون والحياة والأديان، وأي منهما كأستاذ وعالم في الفلسفة يسير في الاتجاه الصحيح ؟
- سبب الاختلاف بين الغرب والشرق الإسلامي يرجع إلى اختلاف موقع كل منهما من التقدم الحضاري الحالي، فالغرب يعيش العصر ويسهم في التقدم العلمي والتكنولوجي، أما الشرق الإسلامي فهو تابع ومتخلف حضاريًا وثقافيًا وعلميًا، وهو مجرد مستهلك لما أنتجه الغرب من علم وتكنولوجيا. لكن الذي يجعلني حزينًا هو أن الشرق الأقصى نجح في اللحاق بالغرب وهو ينافسه الآن بل ويسبقه في الكثير من المجالات، والجنوب كذلك، بدأً من الهند إلى أمريكا الجنوبية، كل هذه المناطق لحقت بالغرب وبدأت نهضتها، إلا العالم الإسلامي الذي يزداد تخلفًا، والعوامل كثيرة، وأهمها عدم تمكن العالم الإسلامي من الثقافة المناسبة التي تجعله ينطلق ويلحق بالغرب، أو على الأقل يتخلص من تخلفه.

• يلاحظ من كتاباتك أنك ترفض كل ما ينتج عن الفكر المحافظ وأعلامه، حتى لو كان فيلسوفا بحجم العالم الأمريكي صامويل هنتنجتون صاحب نظرية صراع الحضارات ؟
- هذا صحيح، والسبب في ذلك هو أن النزعة المحافظة يمكن أن ترتدي أشكالًا متعددة، منها الدينية ومنها القومية الشوفينية، نحن نعرف جيدًا النزعة المحافظة الدينية، ويشهد الغرب إحياءً لنفس النزعة في اليمين المسيحي بكل أطيافه هناك، كما يشهد النزعة المحافظة القومية التي تتمثل في النازيين الجدد وفي الاتجاهات العنصرية الكارهة للأجانب في غرب أوروبا، الفكر المحافظ واحد في كل مكان مهما غير أشكاله، وهو معاد للتقدم وقيم الحداثة والتنوير مهما صور نفسه للناس على أنه شعبوي ويقف بجانب قضاياهم.

• كان ابن رشد يعزل العامة تماما عن الفلسفة ويقصرها على الخاصة خوفا من تأويل العوام للنص الديني.. تؤيد أم ترفض ذلك المنهج إذا ما وضعنا في الاعتبار المستوى المتواضع للثقافة في المجتمع؟
عندما حذر ابن رشد من التصريح بالتأويل للعامة، وحذر كذلك من اطلاع العامة على علوم البرهان، فقد كان يدافع عن وجود الفلسفة نفسها في ديار الإسلام، بعد حملات التكفير التي تم شنها على الفلاسفة وعليه هو شخصيًا، وعندما أغلق الفلسفة والتأويل على الفلاسفة وحدهم فقد كان يريد الحفاظ على تلك الفئة القليلة النادرة المضطهدة من الفلاسفة الذين كانوا يواجهون بالتكفير والإدانة والقتل أحيانًا.

وفي هذه الظروف فإن إغلاق الفلسفة داخل فئة صغيرة من المحترفين ووضع القيود والمحاذير على نشر الفلسفة بين العامة سببه دفاعي في الأساس، وهذا هو ما فرضته ظروف عصر ابن رشد، ولا يلام على ذلك، لأنه كان ابن عصره ومتسجيبًا لظروفه، ولا سيما أنه كان قاضي القضاة، ويحوز على سلطات دينية واسعة في الأندلس، وبالتالي في موقع المسئولية، بما يفرض عليه الحذر من اطلاع العامة على الفلسفة والتأويل.

لكنه في الوقت نفسه قدم فتوى فقهية شرعية في مشروعية ممارسة الفلسفة، وأثبت فقهيًا أن التفكير العقلي والاستعانة بكتب الفلاسفة اليونان وغيرهم واجب بالشرع، هذا هو كل ما استطاع ابن رشد القيام به في ظل ظروف عصره، ولا يجب أن نأخذ استجابة ابن رشد لقيود وحدود عصره على أنها قيود وحدود عامة مطلقة على الفلسفة وعلى العامة في كل مكان وكل زمان.

أما الآن فليس هناك تقسيم وحدود فاصلة حاسمة بين عامة وخاصة، والتنوير الحقيقي هو تنوير العامة وإخراجهم من عاميتهم، والمثقفون التنويريون قادرون على القيام بمهامهم التنويرية، بشرط أن تتوافر لديهم الحرية والأمن؛ أمن المثقف وحمايته في شخصه، ووظيفته، ومصدر رزقه، وسمعته كي يقوم بمهامه، فلا يمكن الاستمرار في مهمة التنوير والمثقف التنويري معرض للتهديد الدائم من التكفيريين ومن بعض أصحاب النفوذ من ذوي العقليات المغلقة.

• من تحديدا يمكنه دراسة الفلسفة والإنسانيات والإبحار فيهما من غير المتخصصين بهما في المرحلة الجامعية؟
- كل شخص يمكنه دراسة الفلسفة، وليس شرطًا أن يكون منتظمًا في دراستها أكاديميًا، الفلسفة تحولت إلى ثقافة عامة، وكتب الفلسفة موجودة في كل مكان، وبالمجان على مواقع الإنترنت، من يريد تعلم الفلسفة يأتي بكتب الفلسفة ويقرأها، وهناك كذلك فيديوهات تعليمية كثيرة على اليوتيوب، بالعربية والإنجليزية. 

والمواد الفلسفية والصفحات الحوارية منتشرة على فيس بوك، ومجموعات القراءة والندوات العامة كثيرة جدًا جدًا، والفرق بين المتخصصين وغير المتخصصين في الفلسفة، بدأ في الذوبان الآن، وأنا أعرف الكثير من الشباب الذين يكتبون في الفلسفة مقالات ودراسات ومؤلفات من غير خريجي أقسام الفلسفة، وهذا تقدم جديد ومذهل، ولم يكن يتوقعه أحد في السابق، فتعلم الفلسفة ليس في حاجة إلى تعليم نظامي، بل إلى عقل متفتح ومثابرة في القراءة وحب حقيقي للمعرفة.
Advertisements
الجريدة الرسمية