رئيس التحرير
عصام كامل

حديثُ خُرافة!!


قالها الإمامُ ثلاثًا: "سُدُّوا الفُرَجَ وأغلقوا الهواتفَ المحمولة".. بعد عشرين عامًا سيتناطحُ تجارُ الدين عما إذا كانت حديثًا صحيحًا أم حسنًا أم مرفوعًا أم ضعيفًا.. تلكمْ حقيقة، فمثلى لا يهزلُ في موضع الجد.


الأحاديثُ الموضوعة والضعيفة هكذا خرجتْ وأنتجتْ دينًا جديدًا، وصار الناسُ يختلفون حولها، ولو أخضعوا أيًا منها للعقل الرشيد والمنطق السديد، أو كلَّفوا أنفسهم عناءَ القراءة والتدقيق، لتبينَ لهم أنها ليستْ من كلام النبى الكريم.

هناك أحاديثُ، أجمع أهلُ الاختصاص على أنها ضعيفة أو موضوعة ولا أصلَ لها، ولكنَّ الوعاظ والمشتغلين بالدعوة من الهُواة وأشباهَ المُتعلمين يرددونها في خُطبهم وعظاتِهم ويدافعون عنها ويُكفِّرون من يُشكك فيها. عندما كنتُ أسمع حديث: "الجنة تحتَ أقدام الأمهات"، كان عقلى يرفضه تمامًا، وكنتُ على يقين من أن الرسولَ الكريم لم يقلْ مثلَ هذا الكلام، ولا يصحُّ أن يقوله، وبالبحث والتحرى والقراءة اكتشفتُ أن علماء الأحاديث الكبار يرفضونه فعلًا ويدرجونه على قائمة الأحاديث الموضوعة!! تلك المفاجأة المُدهشة قادتنى إلى مفاجآتٍ أخرى.

"اختلافُ أمتى رحمة"، الذي يتشدَّقُ به الشيوخ المُعممون، ليس حديثًا أيضًا، وقد أوضحتُ ذلك من قبلُ. "من لم تنهْهُ صلاته عن الفحشاء والمُنكر، لم يزددْ من الله إلا بُعدًا" يصفه علماءُ الحديث بأنه "كذبٌ وزورٌ"، وما ينطبقُ عليه ينطبقُ على: "من لم تنهْه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاةَ له"، حيث وصفه عالمُ الحديث الأشهر الشيخ "الألبانى" بأنه "باطلٌ لا يصحُّ من ناحية إسناده ولا من جهة متنِه".

أما إذا سمعتَ خطيبَ الجمعة يصرخُ في المُصلين قائلًا: "الحديثُ في المسجد يأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ البهائمُ الحشيش"، فاذهبْ إليه بعد الصلاة وأخبره بأن "الحافظ العراقى" و"الألبانى" وغيرهما أجمعوا على أنه "لا أصلَ ولا إسنادَ له". الوصفُ نفسُه ينطبقُ على: "الحديث في المسجد يأكلُ الحسناتِ كما تأكل النار الحطب"، هو أيضًا لا أصلَ له!!

من المؤكد أنَّ أحد الوعاظ ردد على مسامعك يومًا: "اعملْ لدنياك كأنك تعيشُ أبدًا، واعملْ لآخرتك كأنك تموتُ غدًا".. ولو فعلها أحدُهم مُجددًا فلتخبرْه بلطفٍ أن النبى الكريم لم يقلْ هذا الكلام!

"أنا جدُّ كلِّ تقىٍّ".. ربما ذكر أحدُهم هذه العبارة أمامك باعتبارها حديثًا نبويًا، وإذا كررها ثانيةً فانصحْه بأن يعود إلى كتاب "الحاوى" للإمام "السيوطى" ليتأكد بنفسه من أنه "حديثٌ موضوعٌ". وإذا سمعتَ أحدهم يقولُ عند حديثه عن الدنيا: "أوحى اللهُ إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك"، فأبلغه أن "الألبانى" انتهى إلى أنه "حديثٌ موضوعٌ أيضًا".

حتمًا ولا بدَّ..أنك سمعتَ هذه العبارة مراتٍ كثيرة: "إياكم وخضراءَ الدِّمن، فقيل: ما خضراءُ الدِّمن؟ قال المرأةُ الحسناءُ في المنبت السوء"، وإذا قالها أحدُهم أمامك مُجددًا، فقل له: اتقِ الله، هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًا بإجماع أئمة الحديث، ولا يصحُّ أن تكون أحكامُ النبى الكريم جائرة على هذا النحو.

أما إذا أراد أحدُهم المبالغة في مدح النبى الكريم فنسب إليه: "توسَلوا بجاهي، فإنَّ جاهي عندَ الله عظيمٌ"، فأخبرْه في حسمٍ بأنَّ "ابن تيمية" و"الألبانى" وغيرهما أدرجوه ضمن السلسلة الضعيفة، وأخبره أيضًا على سبيل الاحتياط بأن حديث: "أدبنى ربى فأحسنَ تأديبى" لا يُعرفُ له إسنادٌ ثابتٌ، وأن علماءَ الحديث يُصِّنفونه ضمنَ الموضوعات!!

وقد يبالغُ أحدُهم في مدح المسلمين فينسبُ إلى النبى الكريم: "الخيرُ فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة"، حينئذٍ يجبُ عليك أن تذهبَ إليه وتُحيله إلى كتابىِّ: "تذكرة الموضوعات" و"الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة"، ليعلمَ عن بينةٍ وفهمٍ أنه "حديثُ خرافة"، لا أصلَ له.

وقد يستخفُّ أحدُهم بعقلك يومًا فيزعمُ أنَ "من نام بعد العصر، فاختُلس عقله، فلا يلومنَّ إلا نفسه"، فما عليك إلا أنْ تبلغه بأن "الجوزى" و"السيوطى" و"الذهبى" أوردوه ضمن الموضوعات! وإذا أراد أحدُهم مدح صحابة النبى الكريم، فنسب إليه عبارة: "أصحابي كالنجوم، بأيِّهم اقتديتم اهتديتم"، فقل له في أدبٍّ جمِّ: صحابة النبى الكريم لهم منا كلُّ التقدير والاحترام وفوقَ رؤوسنا، ولكنَّ هذا ليس حديثًا، بل هو خبرٌ مكذوبٌ موضوعٌ باطلٌ لم يصحْ قط، بحسب "ابن حزم" رحمه الله..

وما تقدم ليس سوى قطرةٍ من بحرٍ، ولن تخالفنى قطعًا الرأى في أنك تسمع هذه الأحاديثَ وغيرها منذ أنْ خرجتَ إلى الدنيا، وأنها شكَّلتْ جانبًا من وعيك الدينى، وأنك تحفظُ بعضًا منها وتردده كلما اقتضتْ الحاجة. ولكنْ اعلمْ، إنْ لم تكنْ تعلمُ، أنك أنت من قصَّرتَ في حق نفسك، وأنك سلمتَ قلبك وضميرك لنفرٍ من الوعاظ الضعاف محدودى المعرفة والإدراك والثقافة، الذين لم يُكلفوا أنفسهم مَشقة القراءة الدقيقة والعلم الصحيح، وهذا ما أخرجَ أجيالًا وراء أجيالٍ، من أمة المسلمين، لا تعرفُ دينها على النحو الصادق والأمين..

فاقرأ وتدبرْ وتوصَّلْ إلى الحقيقة بنفسك، ولا تسلمها إلى مُرتزقة وتجار الدين، حتى لا يأتى يومٌ نختلف فيه حول صحة تلك العبارة المذكورة آنفًا: "سُدُّوا الفُرَج وأغلقوا الهواتفَ المحمولة" إنْ كانتْ حديثًا أم لا، وقد يبالغُ أحدهم بعد عشرين عامًا من الآن، ويقسمُ بالله جهدَ أيمانه، أنه تم اختراع الهواتف المحمولة قبل البعثة النبوية، ومن ثمَّ فإنها قد تكونُ حديثًا.. آفة المسلمين جهلُهم بدينهم، ودفاعُهم المُستميتُ عن هذا الجهل البغيض حتى لم يعدْ الإسلامُ دينًا واحدًا، بل أديانًا شتّى..
الجريدة الرسمية