رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يعقوب الشاروني: تركت القضاء وتفرغت للكتابة بعدما سلمني عبد الناصر جائزة الدولة

فيتو

  • السيسي يشبه محمد على في ذكائه الاقتصادى ورؤيته المستقبلية
  • الرئيس بدأ الالتفات نحو القاعدتين الأساسيتين لأي اقتصاد قوي بالعالم.. "الطرق والطاقة"
  • كاتب الأطفال فنان وليس رجل تربية.. والصدق مع النفس أفضل وسيلة لتعليم النشء 


نسخة من لوحة "الموناليزا" الشهيرة، بابتسامتها المعلقة على وجنتيها، تتوسط حائط غرفة المكتب، تجاورها شجرة ميلاد متوسطة الحجم، حملت على أغصانها الخضراء، جل ما تستطيع حمله من أضواء البهجة وآمال وأحلام العام الجديد.. تجاورها صور مختلفة الأحجام للسيدة مريم العذراء والسيد المسيح، وفي الجهة المقابلة مكتبة ضخمة تعاني من بدانة مفرطة من فرط ما حملت داخل أمعائها من أمهات الكتب وتكريمات لا حصر لها.

في منزل رائد أدب الأطفال، الكاتب الكبير يعقوب الشاروني، ذاك الذي راح يفتش عن أكثر ألوان الأدب تماسًا مع نبضات قلبه، ليختار الكتابة أولا وأخيرًا للطفل الذي رأى فيه تربة خصبة لتلقى بذور الفن والأدب والجمال والمعرفة.. التقت "فيتو" الشاروني في مكتبه بذلك المنزل المكتظ بالكتب والتكريمات في كل جانب، ليدور الحوار على النحو التالي:

لو بدأنا برحلتك من مهدها.. لماذا اخترت التخصص في كتابة أدب الأطفال، وكيف بدأت الرحلة؟
أعتقد أن الأطفال هم الذين اختارونى لأكتب لهم، والرحلة انطلقت منذ الطفولة من خلال مكتبة والدي وكتب إخوتي وحكايات جدتي في المنزل، فهم كانوا النبتة الأولى للكتابة والقراءة في حياتي.. ثم في عام 1967، أعلن الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك، أنه في حاجة إلى عدد من الشباب الموهوبين في الأدب والفن، ليقودوا العمل الثقافى خارج القاهرة، كمشرفين على قصور وبيوت الثقافة المنتشرة في محافظات مصر، فانضممت إليهم، وابتعدت لأول مرة عن عملى القضائى، لأتولى الإشراف على الثقافة وقصر الثقافة في محافظة بنى سويف، وعندما تسلمت عملى هناك، كنت أفكر أساسًا في العمل الثقافى مع الكبار، امتدادًا لاهتمامى بالمسرح والرواية والقصة وتذوق الفن التشكيلى، لكن خلال عملى لمدة عامين في بنى سويف، اكتشفت عدة حقائق مهمة عن مجتمع المهتمين بالثقافة، وعن قدراتى الخاصة.

كنت أخصص ستة أيام في الأسبوع للعمل ليلا ونهارًا لكى يعايش الكبار مختلف ألوان الثقافة، لكننى كنت أجدهم يومًا ولا أجدهم أيامًا أخرى، لهذا أطلقت عليهم اسم "الكثبان المتحركة"، التي تتكون بفعل الرياح في مكان ما من الصحراء، ثم لا تلبث أن تنقلها الرياح إلى مكان آخر بغير أن تترك أثرًا يدل عليها، وفى نفس الوقت كنت أقدم صباح كل يوم جمعة، حفلًا للأطفال، في قاعة مسرح وسينما قصر ثقافة بنى سويف.. في البداية كان يحضر الحفل 100 طفل وخلال عامين زادوا لـ 1200 طفل، وبهذا اكتشفتُ أن هناك موهبة أخرى تتملكنى، ظلت مختفية خلف ارتباطى الشديد بالمسرح.. موهبة تصر أن تفصح عن نفسها بين وقت وآخر، وذلك عندما أدركت أننى صاحب تأثير لا مثيل له على الأطفال، فتنبهت إلى قدراتى ككاتب للأطفال، وبدأت أكتب برنامج "حكاية قبل النوم" للتليفزيون مع "ماما علية إحسان"، التي كانت من أشهر مقدمات برامج الأطفال في تليفزيون مصر، وهكذا بعد أن هيأت نفسـى لكتابة المسرح للكبار، وحصلتْ إحدى مسرحياتى على جائزة الدولة الخاصة التي تسلمتها من الرئيس جمال عبد الناصر، اختارنى الأطفال لأكتب لهم، ولأحصل أكثر من مرة، مصريًّا وعالميًّا، على جائزة أفضل كاتب للأطفال، واتضح أمامى أمرين مهمين الأول: اكتشفتُ حاجة الأطفال إلى من يعطيهم اهتمامًا حقيقيًّا، وأن الأطفال على استعداد لأن يبادلوا هذا الاهتمام باهتمام مقابل وسخى.. والأمر الثانى: اكتشفت قدرتى غير المحدودة على التواصل مع الأطفال، وقدرتى على قص الحكايات لهم، وعلى إدارة الحوار معهم، وفى عبارة واحدة، اكتشفت قدراتى المتميزة في التواصل مع الأطفال والحكى والكتابة لهم، لهذا أقول دائمًا إن الأطفال هم الذين اختارونى لأكتب لهم.

ألم تندم يومًا على قرارك بالابتعاد عن عملك في القضاء والاتجاه للكتابة؟
لا.. لم أندم على الإطلاق، فنجاحي مع الأطفال، من أهم أسباب اقتناعى بسلامة اتخاذى قرار ترك العمل القضائى نهائيًّا، وأصارحك القول إن ذلك القرار اتخذته في قرارة نفسي في اللحظة التي وقفت فيها أمام جمال عبدالناصر وسلمني جائزة الدولة، وطلب مني إلقاء كلمة للجمهور.. وبالطبع هو قرار سليم، لأنني أدركت آنذاك أن العمل القضائي يحتاج إلى تفرغ كامل، وكذلك الكتابة، وكان على الاختيار والمفاضلة فيما بينهم.

هل يختلف الطفل المصرى في وجهة نظرك عن غيره من أطفال العالم؟
الطفل هو الطفل في كل زمان ومكان، والذي يتغير هو البيئة التي تحيط به، كذلك الثقافة السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه، والطفل في أي مكان في العالم قادر بالتعليم أن يغير كثيرًا من واقعه.. لقد كان الكُتاب في الغرب يكتبون الروايات التي تثير خيال أطفالهم، ليصبحوا حكامًّا للمستعمرات، أما نحن، فنحدث أطفالنا عن الذين يعيشون ويعملون في الصحراء ويرفضون مغادرتها، ونحدثهم عن أبناء العشوائيات وكيف يشاركون في إعادة بناء مجتمعهم، والذي يجمع كل هؤلاء، هو الكشف عن الجوهر الإنسانى في كفاح المواطن ليغير حياته إلى الأفضل، وذلك عن طريق الفن وليس على حساب الفن.

برأيك من هو كاتب الأطفال.. وما الأدوات التي لا بد وأن يتسلح بها قبل الكتابة؟
كاتب الأطفال ليس رجل تربية كما يعتقد الأغلبية، وإنما هو فنان، والفن يقوم أساسًا على إمتاع القارئ بما في العمل الأدبى من تشويق وجاذبية، وشخصيات حَيَّة يُعايشها الطفل، وحبكة أو عُقدة تُثير اهتمام العُمر الذي تتوجّه إليه القصة أو الرواية، وكُلّما كان كاتب الأطفال معايشا وعلى دراية بواقع الأطفال، وجد نفسه يختار موضوع أعماله الإبداعية حول ما يُعايشه الأطفال في واقعهم أو خيالهم، كما أن مؤلف أدب الأطفال، إذا كان مسلحًا بالرؤية الواعية لقضايا مجتمعه وقضايا الطفولة، فلابد أن يساهم ما يكتبه، بشكل ما، في التربية وفى التغيّر المُجتمعى، ومن الخطأ أن يقصد المؤلف للأطفال توظيف عمله الأدبى من أجل إحداث أثر أخلاقى أو تربوى معين، لكن صدق الكاتب مع نفسه ومع القراء، لابد أن يترك أثرًا شاملًا في أعماله الأدبية، وبالتالى يمكن أن يؤثر في إحداث التغيرات المستقبلية في مجتمعه، وفى نفسية وعقول وسلوكيات القراء من الأطفال والشباب الصغير.

نشأت مسيحي الديانة في مجتمع بأغلبية مسلمة.. هل أثر ذلك في كتاباتك ورؤيتك؟
بحكم دراستي في كلية الحقوق، درست الشريعة الإسلامية بشكل تفصيلي، وقرأت كثيرًا في الأديان كافة، مستعينًا في ذلك بأمهات الكتب، والاطلاع في الأديان أمر في غاية الأهمية، إلا أنني مقتنع بالإيمان وأن الدين هو جوهر الإيمان في قلبك، وهو ما أثر في كتاباتي بالفعل، فالعديد منها يحمل في طياته تصوير وكناية للإيمان في قلب المرء ومدى أهميته لمواصلة الحياة بسعادة ورضا، ولكن لا يمكن الإشارة بشكل صريح للدين في كتب الأطفال، خاصة أني لا أحبذ الفكرة من الأساس، لإيماني أن كاتب الأطفال فنان وليس شخصا تربويا.

درست الحقوق وعملت في القضاء وتخصصت في الاقتصاد.. فما رؤيتك لحال مصر حاليًا وكيف تقيمها؟
أرى أننا في مرحلة انتقال اقتصادية، فعبر عقود طويلة عانت مصر من أزمتها الاقتصادية التي تفاقمت في الفترة الأخيرة، وأعطت مؤشرات وأرقاما خطيرة، جعلت خبراء الاقتصاد والحكومة المصرية الحالية تفكر جديًا في الحل الجذري لإعادة مصر من كبوتها الاقتصادية، وبالفعل بدأ الرئيس عبدالفتاح السيسي الالتفات نحو القاعدتين الأساسيتين لأي اقتصاد قوي في العالم، وهما: "الطرق والطاقة"، حيث تم افتتاح العديد من الطرق وتمهيد إنشاء محطات طاقة، وهما بالفعل اللبنة الأساسية للتوسع الاقتصادي في المستقبل.. أي إن ما نعيشه الآن هو مرحلة انتقالية اقتصادية فقط، لن تدوم طويلا حتى يتم افتتاح كافة المشروعات على أرض الواقع.

هل تعني أن جميع الإجراءات الاقتصادية في الفترة الأخيرة.. صحيحة 100%؟
بالطبع، فجميع الخطوات التي سارت عليها الحكومة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي نحو تعديل كفة الاقتصاد المصري هي صحيحة بالكامل، وأرى دائمًا أن شخصية الرئيس السيسي في ذكائه الاقتصادي ورؤيته المستقبلية يشبه السلطان محمد على الذي حقق طفرة في تاريخ مصر ومكانتها.

كم يلزم مصر من الوقت للوصول إلى الرخاء الاقتصادي؟
من أربع لخمس سنوات على أقل تقدير.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية