رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمد حسين هيكل: من لم يتهرس لا يتفرس

محمد حسين هيكل
محمد حسين هيكل

في جريدة الأخبار عام 1955 كتب الأديب والسياسي الدكتور محمد حسين هيكل مقالا بعنوان «من لم يتهرّس لم يتفرّس» قال فيه: هناك مثل عربي بدوي يقولون فيه "من لم يتهرس لم يتفرس"، ويقصدون بذلك أن من لم يسقط عن ظهر الجواد فتصيبه الرضوض، لم يصبح فارسا في يوم من الأيام.


ولست أدرى أن كان هذا المثل لا يزال يجري على الألسنة اليوم، بعد أن أنست السيارة الناس ظهور الجياد، وقد أصبح الناس أشد حرصا على رفاهيتهم منهم على فروسيتهم.

أما في عهد شبابنا الباكر لم تكن السيارة مألوفة بعد وقليل منا من لم يتهرس في طفولته الأولى، وكان ذلك نصيبي بطبيعة الحال.

خرجت يوما مع عمي وكان صبيا وكنت في الثامنة من عمري، وكان معنا والدي وخالي، وكان والدي يمتطي فرسا معروفة بهدوئها، لما نزل عنها والدي طلب من عمي أن يركب هذه الفرس ويسير بها، وبالفعل ركبها عمي في هدوء ثم عاد بها، وسألني أن أفعل مثله، وركبت الفرس ولم تكن رجلي تصل إلى الركاب، بل وضعتها في جلد الركاب، وانطلقت لكن الفرس أحست بالركاب ينخسها، فرمحت وأمسكت أنا باللجام متشبثا، لكنها كلما نخسها الركاب ازدادت سرعة. ولم أدر إلا وأنا ساقط على الأرض فاقد الوعي، وكانت هذه أول مرة تهرست بها لأتفرس.

كنت في الخامسة والعشرين من سني أقضي آخر الأسبوع بالقرية، وأعود صباح السبت إلى المنصورة حيث أعمل بالمحاماة، وامتطيت فرسا شهباء من القرية إلى محطة السكة الحديد، لكنها كانت فرسة جميلة صعبة المراس تعودت عليها.

سرت بها مسرعا لألحق القطار، لكن الفردة اليسرى من سلك اللجام انخلعت من محلها، وشعرت الفرس أنني لا أحكم سيرها كما كنت أفعل من قبل فانطلقت سريعا، وأعترف أني ارتبكت، ولم أتمكن من إيقافها، لكني وجهتها إلى ناحية المباني ودفعتها إلى جدار، فأحست بالخطر فتوقفت تماما، واستطعت أن أنجو من غير أن أتهرس.

بعد ذلك قل ركوبي للخيل، ثم انقطعت تماما عن ركوبها لا خوفا منها، ولكن لأن السيارات حلت محلها، وأن لم يكن فيها من رياضة للبدن ما في ركوب الخيل.
Advertisements
الجريدة الرسمية