رئيس التحرير
عصام كامل

من مدينة الحبيب.. صلى الله عليه وسلم


زاد شوقي للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وغلبني حبيبي فاسهر ليلي، وغاب النوم عني، ومعلوم أن ما من محب إلا وهو مشوق لزيارة ورؤية محبوبه، ومعلوم أن قلب المحب لا يبرد، وشوقه لا يسكن إلا عند لقاءه بمحبوبه، ومن فضل الله تعالى علينا أن رزقنا محبته عز وجل ومحبة محبوبه، وآل بيته الأطهار صلى الله عليه وسلم.


فلما واتتني الفرصة لزيارة الحبيب، طرت إلى مدينته المنورة ورحابه الطاهر حتى يهدأ شوقي، ويبرد قلبي بالجلوس في رحاب روضة الحبيب، وبما أني موجود في مدينة الحبيب الأعظم والخليل الأكرم صلى الله عليه وسلم يطيب لي أن أتحدث عن الحب، الحب سر الحياة وعبيرها ونسيمها وهواها، ولا يستطيع أحد أن يتصور الحياة بدونه، تخيل إن فقد الحب بين أفراد الأسرة والعائلة وبين أبناء المجتمع الواحد مع اختلاف العقائد والملل وبين المجتمعات، أعتقد أن الحياة ستنقلب إلى عداوة وشقاء وجحيم وكراهية واعتداء.

وعند ذلك ستنهار القيم الإنسانية النبيلة التي جاءت بها الرسالات السماوية، ويحل محلها شريعة الغاب وقانون الذي لا مكان فيه للضعفاء، والحياة للأقوى، وتفقد البشرية الإحساس بقيمة الحياة والسعادة بها، هذا وإذا رجعنا إلى المراد الإلهي الأول قبل خلق الخلق، والذي أشار الله تعالى إليه في الحديث القدسي بقوله: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني"، لأدركنا أن الحكمة الإلهية والمراد الإلهي الذي هو من وراء الخلق والوجود والحياة هو الحب.

هذا وأعتقد أن ما كانت الرسالات والمناهج السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، إلا لنشر المحبة والسلام والرحمة والعدل بين الناس، هذا ولكون الحب هو الأساس والرابط بين العبد وربه تعالى، قدمه الحق على اتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يقول عزوجل: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، من هنا ندرك مدى قيمة الحب في عبادة الله تعالى واتباع الحبيب عليه الصلاة والسلام.

هذا ولكون الحب سر الحياة وروحها لا وصل ولا قرب من الله عزوجل، ولا معايشة لأنسه تعالى إلا به، سأل سيدنا داود عليه السلام ربه ومولاه جل علاه قائلا: ربي ألك أهل محبة، فأجابه عزوجل بلى وأهل أنس ومجالسة ومودة، قال داود: يارب، صفهم لي، فقال له سبحانه، يحنون إلى الليل كما يحن الطائر إلى وكره، فإذا ما جنهم الليل وفرشت الفرش ونصبت الأسرة، وخلى كل حبيب بحبيبه، افترش لي أهل محبتي وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي فبين صارخ وباك وأواه وشاك، أي من شدة نيران الأشواق إليه تعالى في قلوبهم.

وببن قائم وراكع وساجد وذاكر وشاكر، يا داود بعيني ما يشتكون من حبي وما يعانون من أجلي، ياداود إن أهل محبتي يتعجلون لقائي شوقا إلي، وإني لا أحب أن أتعجل لقاءهم فإنهم موضع نظري من بين خلقي، فبهم يرفع غضبي وبهم تتنزل رحماتي وبهم تمطر سمائي وتنبت أرضي، ياداود أولئك الذين إذا ما نظرت إليهم لهان على أن أغفر لجميع المسيئين من خلقي إكراما لهم، ياداود إني خلقت طينة أهل محبتي من طينة إبراهيم خليلي وموسى كليمي وعيسى كلمتي وروحي ومحمدا صفي ونجي، وخلقت قلوب المشتاقين إلى من نوري ونعمتها بجمالي وجلالي.

ياداود أول ما أعطيهم أعطيهم ثلاثا، أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم، والثانية لو أن السموات السبع والأراضين السبع بما فيهن في كفة أحدهم حسنات لاستقللت لهم ذلك، والثالثة أرفع الحجاب الذي بيني وبينهم فيروني كما أراهم ثم أقبل عليهم بوجهي الكريم، أو يدري ياداود أحد من خلقي إذا ما أقبلت عليه بوجهي الكريم ماذا أريد أن أعطيه.

هذا وفي ختام المقال، اقبلوا أحبتي دعوتي إلى الحب، فليحب كل منا الآخر بغض النظر عن كل الخلافات بيننا في العقيدة والتوجه وليكن الرابط بيننا الإنسانية، والجامع لنا في الأصل أبونا آدم عليه السلام، فالناس لآدم وآدم من تراب، هذا وإذا أردنا أن نسعد بالحياة وتسعد بنا الحياة فعلينا بروح الحياة وأنفاسها وسرها وهو الحب، الحب، الحب، أحبكم جميعا في الله.
الجريدة الرسمية