ولقد كرمنا بني آدم
ما أعظم نعم الله تعالى علينا نحن البشر، وما أعظم فضله سبحانه وتعالى، وما أقل الشاكرين منا.. نعم ما أقل الشاكرين، وما أكثر الغافلين الذين تغيب عنهم أفضال الله عز وجل وإنعامه، فلقد خص الله تعالى الإنسان بما لم يخص به كائن ما كان في الكون بما في ذلك الملائكة الكرام..
فقد تفضل علينا بنعمة الخلق والإيجاد، وأسبغ علينا من النعم ما خرج عن الحصر والتعداد، وشرفنا بأن عملت فينا يد القدرة الإلهية أثناء خلق لنا، ولم يبدأ خلقنا بكلمة كن كما خلق جميع عوالم الخلق، وخصنا بالتكريم وسخر لنا كل ما في الكون، وقد سبق تكريمه للإنسان من قبل أن يخلقه، فأخبر عنه من قبل خلقه..
ومعلوم أنه عز وجل لم يخبر بخلق كائن من الكائنات من قبل، وهو ما أشار إليه سبحانه في خطابه للملائكة بقوله تعالى: "إني جاعل في الأرض خليفة"، ومعلوم أن الله تعالى أوجد ما أوجد من عوالم ومخلوقات دون سابقة إخبار، ولا شك أن لهذا الأخبار دلالات كثيرة تبين مدى محبة الله تعالى للإنسان وعظم قدره وسمو مكانته، وفيه أيضا إشارة واضحة على أن الإنسان مخلوق متفرد عن سائر المخلوقات، وإشارة أيضا إلى أنه محور الكون والوجود والحياة ثم يأتي التشريف الأسمى والأجل، بأن عملت فيه يد القدرة، فقد سواه الله تعالى بيده سبحانه، ولم يبدأ خلقه بكلمة كن كشأن سائر المخلوقات..
ثم يقيم الله تعالى الإنسان في تشريف آخر، ويا له من تشريف، وهو سجود الملائكة للإنسان، ومعلوم أنه سجود تكريم وتعظيم لا سجود عبادة، ثم يخص الله تعالى الإنسان بعلم الأسماء كلها، ويمنحه سبحانه البيان وتقف الملائكة عاجزة أمام علم الإنسان وعن ذلك كله يحدثنا سبحانه في قرآنه فيقول:
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ".
هذا ولنا هنا عند هذا الحوار وقفات منها، من أين جاء العلم للملائكة بأن الإنسان سيكون مفسدا في الأرض سافكا للدماء خاصة أنه لم يكن هناك بشر في الأرض قبل آدم عليه السلام، فهو أبو البشر وأول الجنس البشري، هل أخذت الملائكة بالقياس على حال الجن الذين عمروا الأرض وسكنوها قبل الإنسان بخمسمائة سنة، وكان حالهم فيها الإفساد والاقتتال فيما بينهم، أم هل كان للملائكة نظر في اللوح المحفوظ الذي سطرت فيه يد القدرة الإلهية بالعلم الإلهي مقادير الخلق والعباد..
وهل كان قولهم "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" غيرة منهم على الله عز وجل، وهل كانوا ناظرين لأنفسهم بعين الكمال وللبشر بعين النقص، هذا وما هي الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم عليه السلام هل هي كل ما يقع تحت مسمى، أم هي أسماء بعينها.
هذا وفي قول الله تعالى للملائكة، ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون، في هذا الخطاب إشارة إلى أن للملائكة خواطر في سرائرهم وهناك أشياء يكتمونها في أنفسهم هنا سؤال يطرح نفسه وهو فيما تدور خواطر الملائكة، هناك أسئلة كثيرة سوف نتحدث عنه في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
