رئيس التحرير
عصام كامل

أموال مصر المشبوهة


أتعجب كثيرا لحالة السبات العميق التي تغرق فيها كل "الأجهزة المعنية بمحاربة الفساد في مصر" التي تركت الشارع المصري يحترق، من كثرة "الأموال المشبوهة وغير الشرعية" التي تراكمت وما زالت تتراكم في أيدي "سفهاء" لا حيثية ولا كينونة لهم، دخلوا جميعا للمضاربة وغسلوا أموالهم في كل شيء، مما جعل كل المتطلبات الأساسية للفقراء تباع بأضعاف قيمتها الحقيقية.


ولعل ما يدعو للعجب هنا، أن كل هذه الممارسات تتم في "العلن" ويشاهدها الجميع، إلا "الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد في الدولة" ولا سيما بعد أن بدأت كل المدن والقرى المصرية تشهد خلال السنوات الأخيرة، ظهور شخصيات كانت "معدومة" وفجأة هبطت عليهم ثروات طائلة مجهولة المصدر، وبدأوا في المضاربة وشراء أراضٍ وعقارات بأسعار تزيد عشرات الأضعاف على أسعارها وقيمتها الحقيقية، بشكل يثير الدهشة.

وهو ما أدى بالطبع إلى ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات في كل مصر بشكل غير طبيعي، ولا يتناسب مع القيمة الحقيقة لها، لدرجة أن متر الأرض وصل في مدن مجهولة في الأقاليم إلى ما يزيد على الـ100 ألف جنيه، ووصل في بعض عواصم المحافظات إلى ما يزيد على الـ200 ألف جنيه للمتر الواحد، وارتفع سعر قيراط الأرض في بعض القرى النائية ليصل إلى أكثر من مليون جنيه.

كما ارتفعت أسعار الوحدات السكنية في كل أنحاء مصر بشكل يثير الدهشة، لدرجة أن هناك وحدات سكنية متوسطة الحال، تباع في في مدن مجهولة الآن بأسعار تزيد على المليون جنيه، وتصل في عواصم المحافظات إلى أضعاف هذا الرقم.

خلاصة القول، إن هناك "أموالا مشبوهة وثروات حرام" بالجملة، أصبحت الآن في أيدي "سفهاء" في غيبة من "أجهزة الدولة" وأنه لن يستطيع أي من هؤلاء "اللصوص" أن يذهب بكل تلك الأموال إلى البنوك، لأنه لن يستطيع أن يثبت مصدرها، بالتالي يقوم بالمضاربة في الأراضي وعقارات، وشرائها بأسعار تزيد على قيمتها الحقيقية، لغسل ذلك "المال الحرام" والتخلص مما لديه من سيولة ضخمة.

والطبيعي أن متر الأرض أو العقار الذي تم بيعه بأرقام تزيد على قيمته بعشرات الأضعاف، لن يقبل من بجواره البيع بأقل من القيمة ذاتها أو يزيد، وبالتالي ترتفع الأسعار وتزيد بشكل مذهل، لا طاقة للفقير أو محدود الدخل على تحملها.

ولعل ما يدعو للعجب، أن كل تلك الممارسات تتم في "العلن" وأصبحت تشكل استفزازا حقيقيا للمواطن الشريف مهما كان دخله، لأنه في النهاية يقف عاجزا أمام الأرقام المستفزة وغير الطبيعية التي يضعها هؤلاء "السفهاء" والأخطر من هذا، أنهم جعلوا ملايين الشباب يفقدون الأمل في مستقبل يضمن لهم حياة بمثل هذه القيمة، لدرجة أن الكثير منهم أصبحوا يجاهرون برغبتهم في سلك طريق الحرام.

للأسف، أن أمر "المال الحرام" بات يشكل ظاهرة، واستفزازا حقيقيا للشرفاء، وخطيرا غير طبيعي على الاستقرار في هذا البلد، وأنه ليس هناك عقل أو المنطق، من الممكن أن يستوعب، أن تترك "الأجهزة المعنية بمحاربة الفساد" كل هذه الأموال ـ غير المنطقية والمجهولة ـ دون البحث وراء مصادرها، والنشاطات المشبوهة لاصحابها، ولا سيما أنهم جميعا تحولوا إلى "علامات" يشار إليها بالبنان في كل مدن وقرى مصر، بل إن بعضهم بدأ في لعب أدوار سياسية، تمهيدا لطرح أنفسهم على مقاعد المجالس النيابية والمحلية في المرحلة المقبلة.

أؤكد أن "الأموال المشبوهة" في مصر أصبحت بمثابة "كارثة" وأن إهمالها قد يؤدي إلى عواقب أكثر كارثية قد لا نستطيع تداركها، وأن الأمر أصبح في حاجة إلى تدخل سريع من الأجهزة المعنية لإعادة كل هذه الأمور غير الطبيعية إلى وضعها الحقيقي، والسيطرة على "بالون" والوهم والمضاربات، الذي أوشك على الانفجار في وجه الجميع.
الجريدة الرسمية