رئيس التحرير
عصام كامل

زوج غائب وزوجة حائرة ونار تحت الرماد


تزامنًا مع قضية القرن: "حمو بيكا/ مجدى شطة"، وارتفاع سعر البطاطس، وأزمة نائبة حظر النقاب ووصلة هجوم النائبة الكويتية "صفاء الهاشم" ضد مصر، وحزمة أخرى من الجدليات التي لا تنتهي، والتي يجيد فيها المصريون أكثر من إجادتهم في أي أمرٍ ذى قيمة.. استوقفنى منشورٌ نسائىٌّ على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" تسأل صاحبته عن مشروعية اللجوء إلى الزوج العرفى، بسبب انقطاع أخبار زوجها عنها منذ 3 سنوات.


السيدة، التي بدا أنها لم تكن مازحة أو هازئة أو ساخرة، قالت: إنَّ أهلها يرفضون تطليقها، ولا يريدون لابنتهم أن تحصل على لقب "مُطلقة" مهما كانت الظروف، وهى كـ"أنثى" تريدُ رجلًا في الحلال، لذا فلماذا لا تتزوج عرفيًا حتى تقى نفسها شرَّ الفتنة، وشرَّ الطلاق، وإذا عاد زوجها الغائب عادت إليه؟ وكأنَّ أحدًا لم يعلمها أن في هذا السلوك الخارج جمعًا بين زوجين، وهذا مؤثمٌ دينًا وقانونًا.

قد يجدُ البعض في كلام هذه السيدة "شططًا وجنونًا وعبثًا وخروجًا عن المألوف والمعروف"، ولكن لا يجب أن نتوقف عند رد فعلها فقط، ونتجاهل الفعل الذي أوصلها إلى هذا "الشطط والجنون والعبث والخروج عن المألوف والمعروف"، وهو ما أقدم عليه زوجها الغائب من سلوك آثم ومُنكر لا يقره دين أو عُرفٌ.

هذه ليستْ قضية فردية أو استثنائية، ولكنَّ الأخبار والوقائع المشينة التي تنشرها صفحات الحوادث يوميًا، تؤكد أن خلف الأبواب المغلقة أمواجًا متلاطمة من الأزمات والمشكلات الأخلاقية الاجتماعية التي تراكمتْ بسبب تغييب دور الدين أو عدم فهمه، وانتحار منظومة "الأخلاق"، فضلا عن فقدان بعض المرادفات مثل: "الشرف/ الخيانة/ النخوة.." لمعانيها الحقيقية والجوهرية.

كثيرٌ من الموتورات اللاتى يرفعن راية التحرر والتمرد نصحن "الزوجة الحائرة" بأن تفعل ما تريد، ولا تأبه برفض الرافضين، فلا سلطانَ عليها إلا نفسها، وأن جسدها يخصُّها وحدَها ولا يخصُّ أحدًا سواها، وهى صاحبة الحقوق الحصرية فيه، وهذا تطرفٌ فكرىٌّ وأخلاقىٌّ مردودٌ عليه، ولكنه يتفشى في المجتمع المصرى في السنوات الأخيرة عبر وسائط إعلامية متعددة، حتى صار جزءًا لا يتجزأ من الأزمة نفسها. لعلكم تذكرون مقال الكاتبة السعودية "نادين البدير" الذي نشرته صحيفة مصرية، وكان عنوانه: "أنا وأزواجى الأربعة"! وكانت تدافع من خلاله عن حق المرأة في الجمع بين أكثر من زوج.

فريق نسائى آخر رجم السائلة بكل قبيح، ونعتها بكل سيئ، ووصفها بكل مرذول.. وذاك تطرف أخرى لا يقلُّ أثره السلبى عن سابقه.

وعلى استحياء.. ظهرتْ ردود ناصحة بالتي هي أحسن والتعامل بعقلانية وهدوء، وطالبت الزوجة الحائرة بإقناع أهلها من خلال بعض علماء الدين الثقات والمحامين بأن الوضع الذي فرضه زوجها الغائب عليها وضعٌ يستوجبُ تطليقها، ولا ينبغى أن تبقى في عصمة زوج غائب منذ 3 سنوات..

وهذا رأى- رغم وجاهته- قد لا يتماسُّ مع الأزمة بشكل حقيقى، ويتعامل مع الأمور بمثالية مُفرطة، في ظل غطرسة أهل السائلة.

تلك الحالة، رغم ما بها من "جنون وشطط وعبث وخروج عن المألوف" كما أسلفنا، ولكنها – بكل أسف- حالة دالة وكاشفة على ما وصل إليه المجتمع المصرى، وما ضرب بعض فئاته وطوائفه من انحراف أخلاقي مشين تجاوز الحدود، لا ينكره سوى من أصاب الرمدُ عينيه، وما كان هذا كله ليحدث لولا التغييب القصرى لدور الدين، والتهليل للأعمال الفنية التي تروج لمثل هذه السلوكيات، وتدافع عنها، حتى وصل الأمر إلى الترويج لدعاوى الشذوذ والمثلية الجنسية وتبادل الزوجات!

حالات الانفلات الجنسي، التي تنقلها صفحات الحوادث وآخرها الزوجة التي تم ضبطها مع عشيقها في دورة مياه بأحد دور العبادة، ظاهرة خطيرة وجديرة بالاهتمام وليس بالتعامى والتجاهل.

قبل سنوات قليلة.. نشرت الصحف قصة زوج اكتشف بالصدفة أن أبناءه الأربعة ليسوا من صُلبه، لأنه عقيمٌ يستحيلُ أن يُنجب، وتبين أن زوجته، التي بقيت في ذمته ربع قرن، أنجبتهم من بعض أصدقائه، وبعدها تعددت هذه القضايا مع تفاصيل أكثر سوداوية.

الظاهرة نفسها لم تقتصر على المناطق الحضرية أو القاهرة مثلًا، بل تجاوزتها إلى أدغال الصعيد، وأعماق الريف، ولا يمر يوم دون كشف واقعة "زنا محارم" أو اتفاق الزوجة والعشيق على قتل الزوج والتمثيل بجثته.

هذه الانحرافاتُ الأخلاقية هي التي تحتاجُ إلى الحشد والتجييش الفنى والإعلامي لمقاومتها ومكافحتها وتجفيف منابعها، ورفع الوعى الدينى والأخلاقى وترسيخه في ضمائر المصريين، كبارًا وصغارًا ورجالًا ونساءً..

فهذا الملف أهم بكثير من قضايا "حمو بيكا" ورفيقه "مجدى شطة" وجنون البطاطس، وتجاوز نائبة الكويت، ومشروع حظر النقاب وما يشغلوننا به من توافه الأمور.. هناك أولويات أجدر بالاهتمام والدراسة والعلاج.. أبرزها: أخلاق المصريين التي تتآكل وتتلاشى يومًا وراء يوم، على وقع تغييب الدين والاستهزاء من دوره في ضبط إيقاع الحياة.
الجريدة الرسمية