رئيس التحرير
عصام كامل

مفيش «فقر» في مصر


لا أعتقد أن القيادة السياسية في مصر يستهويها تلك التصريحات الاستفزازية التي تخرج عن البعض بين آن وآخر، مدعية أنه «لا فقراء في مصر» أو أن «المواطن المصرى باستطاعته العيش بـ5 جنيهات يوميا»، خاصة أن المرحلة تتطلب ضرورة المصارحة والمكاشفة، وليس النفاق والتضليل.


ولعل ما يدعو للاستفزاز في تلك التصريحات، أن أغلبها صدر من قيادات تحتل مناصب حكومية وبرلمانية وحزبية مرموقة، وجميعهم يعلمون تمام العلم، أن الحكومة المصرية شرعت منذ عام 2014 في وضع قاعدة بيانات تتضمن معلومات وافية عن أوضاع المصريين، من خلال إحصاء كامل وشامل للسكان، تم الكشف عن نتائجه «علنا» في حضور رئيس الجمهورية في نهاية عام 2016. أي إن القيادة السياسية في مصر لديها إحصاء وقوائم كاملة بأسماء كل الفقراء في مصر، تم حصره بمعرفة «الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء» وأن مؤسسة الرئاسة ومعها جهاز الإحصاء لم يفصحا عن تلك القوائم التزاما بأحكام القانون، والقيم المعمول بها دوليا في مجال الإحصاء.

وحتى يكف هؤلاء «الأفاقون» عن تقديم مؤهلاتهم «العفنة» في النفاق واستفزاز الفقراء، أدعوهم جميعا للاستفسار عن لماذا بدأت الحكومة في مشروع «تكافل وكرامة» لتقديم «معاشات» لنحو 3 ملايين فقير في مصر؟... وتفاصيل القائمة التي تقدم بها جهاز الإحصاء للحكومة، والتي حوت أسماء القرى الـ3 الأكثر فقرا في كل محافظة، وهو ما جعل الحكومة تبدأ منذ نحو عامين في مشروع تم بموجبه البدء في تنمية عشرات القرى «اجتماعيًا وتنمويًا وصحيًا» في كافة محافظات مصر، وهو ما يؤكد اعتراف «الحكومة» بأنه «ليس كل المصريين يغرقون في نعيم الغنى».

ولعل ما يدعو للحيرة في فرط نفاق هؤلاء، أن أيا منهم لم يكلف نفسه مجرد الاطلاع على «الإحصاءات الرسمية» المعلنة والصادرة عن «الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء» والتي تؤكد أن 27.8 في المائة من السكان في مصر «فقراء» ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وأن نسبة الفقر في مناطق الحضر في الوجه البحرى تصل إلى 9.7 في المائة من نسبة السكان، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 19.7 في المائة في المناطق الريفية، بينما تصل تلك النسبة إلى 27.4 في المائة في المناطق الحضرية بالوجه القبلى، وترتفع إلى 57 في المائة من نسبة السكان في المناطق الريفية.

كما أكدت نتائج الإحصاء، أن نسبة الفقر في العاصمة المصرية «القاهرة» تصل إلى نحو 18 في المائة من نسبة السكان، وأن أعلى مستويات الفقر في محافظات مصر تتركز في محافظتى «سوهاج وأسيوط» بنسبة تصل إلى 66 في المائة، تليهما محافظة «قنا» بنسبة تصل إلى 58 في المائة، وأن محافظة «بورسعيد» تعد المحافظة الأقل فقرا بين محافظات مصر بنسبة 6.7 في المائة، تليها محافظة «الإسكندرية» بنسبة 11.6 في المائة من إجمالى عدد سكان المحافظة.

ولعل ما يدعو للعجب، أن ذات الإحصائيات الرسمية الصادرة عن جهاز «حكومى» يعد الأكبر والأجدر في عالم الإحصاء في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، وتم إعلانها في وجود «رئيس الدولة»، أن 10.8 في المائة من المصريين «ما يوازى 11.8 مليونا» لا يجدون حتى الحد الأدنى من قوت يومهم، ويقبعون في أدنى فئات الإنفاق بين المصريين، حيث لا يتعدى معدل إنفاق أي فرد منهم عن 4 آلاف جنيه سنويا «أي أقل من 333 جنيها شهريا» والأغرب من هذا، أنه لا يزال 2.3 في المائة من الأسر المصرية تستخدم التليفزيون الأبيض والأسود.

للأسف، هذه هي نتائج «الإحصاءات» الرسمية، التي أكدت أن هناك ما يقرب من 28 مليون فقير في مصر... وهذه تصريحات «المنافقين» الذين يدعون أنه «لا يوجد فقراء في مصر» ترويجا لمؤهلاتهم «التعريضية» حتى ولو كانت على حساب حياة ومشاعر الفقراء.
الجريدة الرسمية