رئيس التحرير
عصام كامل

علي السيد محمد حزين يكتب: قصة مراهقة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

ذات غروب والشمس كانت تفرش ملاءتها البرتقالية في الغرفة.. وبينما أنا وصديقي في وضع استرخاء على الحصير رأيت صاحبة النظرات المتلصصة علينا، منذ وصلت إلى الغرفة ، فتاة في ربيع العمر، لا تتجاوز العشرين من عمرها، ووجهها مخملي.. قفزت مسرعًا لأغلق الشرفة.. فرمقتني بنظرة حادة ، جريئة قاتلة ، بينما صديقي أومأ برأسه، وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة، دهشتُ لما يصنع.. لكني لم أحاول أن أعرف منه أي تفاصيل، ورفضت أن أرهق ذهني في جدل عقيم لا يجدي، أو أغوص في تفاصيل، أو تحليلات واستنتاجات سقيمة، واكتفيت بما حدث، اندمجتُ مع كتبي المهملة، بعد أن أقنعت نفسي، بأن الموقف عادي جدً وبسيط، وظللت أذاكر، حتى شعرت بالإرهاق، والنُعاس راح يتسرب خلسة إلى عيوني، التي لم تذق طعم النوم منذ ثلاثة أيام، رميت بالمذاكرة فوق المنضدة، فردت جسدي على الأرض، ورحت أشعر بحواسي، وهي تتساقط مني، على طريقة واحدة تلو الأخرى، نظرت إلى صديقي كان يغط في سبات عميق، والمصباح تهزه نسمة هواء طرية.. تخدر المشاعر.. رميت نظرة أخيرة على النافذة حتى أتأكد أنها مؤصدة، والنوم يأخذ طريقه إلى جفوني، دقت الساعة الثالثة صباحًا، فجأة استيقظ صديقي من نومه، فحصني بعينيه في صمت ليتأكد إني قد نمت، تسحب على أطراف أنامله، فتح الشرفة ببطء حتى لا يصدر صوتا، طرق على الجدار ثلاثة، برهة، وغزَّ الغرفة ضوء شديد، ألمحه يحرك يديه، يشير، يهز رأسه، يتحدث بصوت خافت جدًا، هببت من نومي، بسرعة الضوء وقفت لجواره، فأصبت بذهول احتبستُ أنفاسي، لما رأيتها واقفة وقد تخففت من ثيابها.
 
كانت واقفة، فلما رأتني ارتجفت، ارتعدت، ورجعت للوراء قليلا، أمسكت دلف النافذة الزجاجية، فتنبه صديقي لوجودي، طلب منها ــ بإلحاح شديد ــ أن تبقى، ولا تنزعج أو تخاف لوجودي، وأخبرها بأني "صديق عمره" فأطاحت بيديها في الهواء، بطريقة لولبية جميلة، وهي تنفخ في الهواء تأففت، وهي ترمي رأسها يمينًا وشمالًا، وحين تضجرت من وجودي ألح على صديقي، وهو تحنَّن إليَّ، أن أتركهما وأنصرف إلى النوم، أو المذاكرة، أو إلى الجحيم، رجوني كثيرًا.. فرفضت في عنت.. فأمسكت فمها بيدها حتى لا تخرج منها الضحكات عالية، فتشرخ سكون الليل، وتيقظ النائمين، فتوعدتها بصوت منخفض فيه حدة: "إن لم تنصرف ــ في هدوء ــ فسأخبر أباها بما حدث، وإلا سيكون لي معها شأن آخر، مالت واعتدلت، تأوهت، تأففت، ضربت يدها، وأنا أجفف عرقي النازف، وهي تدفع بدلف الشرفة في وجهي، في حنقٍ وغيظ، وبقرف.

أما صديقي فأخذ يلكمني في صدري فيما يشبه المزاح مع الضحك، وهو يقول لي: إيه اللي أنت عملته ده؟!
فلم أجبه بشيء، ثم عاد كل منا إلى فراشه ساعة من الزمن أو يزيد، فتحت النافذة مرة أخرى من جديد، تعامد ضوء المصباح على وجه صديقي، ينتبه، يجلس في شرود ذهني، وكأنه يفكر في أمرٍ ما، ينهض بطريقة هستيرية، وهو ينظر إليَّ في تحدٍ وإصرار، ثم يلهث كالكلب نحو الشرفة التي تطل على غرفة نوم الفتاة المراهقة، وأنا جالس في صمت.. أشبه بالصمت الذي يسبق العاصفة، أشعل السيجارة الأخيرة في العلبة.. والتي طبقتها بين أصابعي وكورتها بيدي من شدة الغيظ، ضربت بها خلفه، وهو واقف أمامها يلهث كالكلب، وأنا أجز على أنيابي، وأفرك يدي غير مصدق ما أرى.
Advertisements
الجريدة الرسمية