رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عندما يرحب الإعلام بقتل الإعلاميين المعارضين!


لم أندهش من معالجة الإعلام العربي لقضية اختفاء الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في تركيا. اندفع البعض متبنيا وجهة النظر السعودية بأن القنصلية السعودية لا تعرف شيئًا عنه، وتبني الآخرون وجهة النظر التركية بأن "جمال خاشقجي" تم قتله داخل القنصلية. الحالتان نموذج لما طالما كتبت عنه بأن الإعلام السياسي لا علاقة له بالموضوعية من قريب أو بعيد، وأن الإعلام سيتحيز للجهة التي تسيطر عليه وتموله أو تملكه.


الحساسية في تناول الإعلام العربي لقضية "جمال خاشقجي" جعلت المدافعين عن وجهة النظر السعودية يتجاهلون أسئلة بسيطة عن تلك المرتبطة بعدم قدرة القنصلية على إثبات خروج جمال خاشقجي سليما من القنصلية ، وهو ما زاد من فرضيات قتله داخل القنصلية. الجهة المقابلة تلقت فرضية القتل – حتى وإن كانت تمت- وبدأت تخلق سيناريوهات قبل أن تظهر الحقيقة.

لكن تسابق شبكة "سي إن إن" في عرض التقارير التركية الرسمية زاد من فرضية قتل الصحفي السعودي المعارض داخل القنصلية، وبخاصة بعد أن بدا أن هناك تراجعا في الموقف السعودي، فبعد أن أكدت المملكة، أن الصحفي السعودي خرج من القنصلية، وأنها لا تعرف عنه شيًئا، أكدت السعودية أنها ستفتح تحقيقا شفافا وتحاسب من يثبت تورطه في ظل تقارير تركية نشرتها الـ"سي إن إن" تقول إن السعودية على وشك الإعلان عن أن "خاشقجي" تم قتله بالخطأ، وأن المسئولين في المملكة لم يكونوا يعرفون بقتله.

ما هو مقزز في الحقيقة هو أن هناك إعلاميين يرحبون بفكرة القتل، ويبنون موقفهم على أن "خاشقجي" يستاهل القتل، وربما الحرق والتنكيل، وأن العالم يجب ألا يأسف عليه وأنه عميل، وخائن وغير ذلك من طقم عبارات التخوين. وبينما كشف هؤلاء الإعلاميون عن وجوههم الدموية، نسوا أن الموضوع بالنسبة للدول المتحضرة لا علاقة له بما كان يكتبه "خاشقجي" أو بمواقف "خاشقجي"، وأن القضية التي هزت العالم هي فرضية أن "مستر X" الصحفي المعارض تم قتله في قنصلية بلاده.

موقف هؤلاء الإعلاميين يجعلنا – أو على الأقل العبد لله – يعرف جيدًا أين يقف إعلامنا العربي، وأين يقف الإعلام الغربي. فالإعلام الغربي لم يفصل ويشرح مواقف جمال خاشقجي المختلفة، ولكنه والدول التي يصدر عنها مصدوم من فرضية قتل صحفي دخل إلى قنصلية بلاده، هذا إن ثبتت صحة هذه الفرضية.

والسؤال لكل من كتب مرحبا بقتل "خاشقجي" غير مأسوف عليه، هل سيتبنى هؤلاء الإعلاميون الموقف ذاته إذا ما تم خطفهم وقتل البعض منهم، لأنهم يعارضون سياسات الدولة، وهل كان موقفهم سيكون على ما هو عليه لو قامت قطر بخطف صحفي قطري معارض لسياسات دولة قطر وقتله في سفارة قطر في الخارج.

من المؤسف أن يوجد في عالمنا إعلاميون أكثر شراسة ودموية من النظم الحاكمة، فهم يرحبون بالقتل بدلا من أن يطالبوا بتوفير محاكمة عادلة للإعلاميين المعارضين. في الدول التي تحترم القانون لا يوجد مكان للاغتيالات، لأن القانون يمكنه معاقبة من يخطئ.

القضية بالنسبة للعالم ليست مرتبطة بخاشقجي في شخصه، فـ"خاشقجي" لا يمول الديمقراطيين في أمريكا ولا الليبراليين في فرنسا، القضية مرتبطة بفرضية قتل صحفي –أيا أن كان اسمه– داخل قنصلية بلاده، بعد أن دخل إليها مطمئنًا.
Advertisements
الجريدة الرسمية