رئيس التحرير
عصام كامل

يد الله في حرب أكتوبر


عندما شرعتُ في كتابة سطور كتابي الأول "خفايا حرب أكتوبر" منذ أكثر من 30 عاما، وجدت نفسي أمام المئات من قصص البطولة، تحتاج إلى عشرات المجلدات لتخليدها للأجيال المقبلة، من بينها "معجزات" حقيقية لم يتطرق إليها كاتب، ولا تفسير لها سوى أن "يد الله" كانت معنا منذ البداية حتى النهاية.


فقد أقسم لي "محمد العباسي" أول من رفع العلم المصري على أرض سيناء خلال حرب أكتوبر، أنه رأى كلمة "الله أكبر" قد كتبت بدخان المدافع في سماء سيناء عند صعد إلى أعلى أول نقطة حصينة في الضفة الشرقية للقناة، ورفع فوقها العلم المصري.

كما روى لي "عبد العاطي" صائد الدبابات -رحمه الله- أنه في يوم 8 أكتوبر دفع به العميد "عادل يسري" قائد اللواء 112 مشاة، مع طاقمين آخرين كل منهما مكون من 3 أفراد، في محاولة لصد اندفاع هجوم اللواء 190 مدرع الإسرائيلي بقيادة "عساف ياجوري" الذي دفعت به إسرائيل لوقف توغل القوات المصرية في عمق سيناء، إلا أن الظروف جعلت أحد تلك الأطقم يتعثر في الرمال، في الوقت الذي فرضت الطبيعة الجبلية على -عبد العاطي- والطاقم الآخر، الانحدار في موقع منخفض للغاية، من المستحيل أن يوجه منه صاروخ واحد على قوات العدو التي أصبحت في مواجهاتهم أعلى القمم الجبلية العالية للغاية..

فما كان من عبد العاطي إلا أن استعان بالله ووجه صاروخا من طراز "فهد" فدمر الدبابة الأولى بمن فيها.. وصوب جاره "بيومي" صاروخا آخر فأصاب الدبابة المجاورة.. فتبعه "عبد العاطي" بصاروخ آخر فأصاب.. وتبعه "بيومي" بصاروخ فأصاب.. وظل "عبد العاطي وبيومي" يواليان الإطلاق، حتى نجح "عبد العاطي" خلال 20 دقيقة في تدمير 13 دبابة، ونجح "بيومي" في تدمير 7 دبابات، واضطرت باقي الدبابات الإسرائيلية إلى الانسحاب من أمام الطلقات المجهولة التي لم يتوقع قادتهم أنها من الممكن أن تأتي من مثل هذا الموقع المنخفض.

فدفع الإسرائيليون بدبابة قامت بالالتفاف حول موقع "عبد العاطي" في محاولة لكشف المكان الذي يتوالى منه إطلاق الصواريخ على قواتهم، إلا أن الله شاء أن تصطدم الدبابة بالطاقم الثالث من زملاء "عبد العاطي" الذي كان قد تعثر في الرمال، فقاموا بتدميرها وإنقاذ "عبد العاطي وزملائه من الموت.

كما أكد لي "عبد العاطي": أنه في يوم 10 أكتوبر، جذبه زملاؤه من سترته وهو نائم، وهم يصرخون: "الحق يا عبد العاطي، 3 دبابات إسرائيلية ومجنزرة يحاولون اقتحام الموقع" وأقسم لي عبد العاطي، أنه وضع يده على زر الإطلاق في أقل من ثانية، فخرج الصاروخ الذي يسير بسرعة 120 مترا في الثانية في اتجاه مخالف تماما لاتجاه الدبابة، بشكل يستحيل تغيير اتجاهه، إلا أن المفاجأة أن الصاروخ غير اتجاهه من اليمين إلى اليسار بشكل عجيب، وكأن يد خفية قد عدلت من اتجاهه ليصيب الدبابة ويدمرها بمن فيها، وأقسم لي -عبد العاطي- أنه لو حاول أن يعدل من اتجاه هذا الصاروخ ألف مرة ما أصاب الدبابة كما حدث.

وروى لي الشيخ "حافظ سلامة" قائد المقاومة الشعبية بالسويس، أنه خلال ملحمة السويس التي بدأت في 24 أكتوبر 1973، وجود أكثر من 20 ألف مواطن ما بين مدنيين وعسكريين بالمدينة في حالة حصار دون مياه، بعد أن قطعت القوات الإسرائيلية المياه عن المدينة، وأقسم لي-سلامة- قائلا:

"وأنا في حيرة من تدبير الأمر، جاءني رجل يزيد عمره على 85 عاما، أقسم أنني لم أره قبل أو بعد ذلك، وأخبرني أنه يوجد في منطقة الغريب بئر قديمة كان يستخدمها أهل المدينة منذ مئات السنين، وأن تلك البئر فيها سر من أسرار الله، وأنه ما علينا إلا أن نلقي بها بعضا من السكر ونقرأ الفاتحة، وسيتدفق منها الماء بأمر الله، وبالفعل ذهبت إلى مكان البئر، وفعلت ما قاله الرجل، ونظرت في البئر فلم أجد فيها سوى بعض الماء لا يزيد على 70 أو 80 سنتمترا، فقلت أنه لن يكفي أكثر من 10 جراكن..

لكن ما إن علم الناس بأمر البئر حتى تدفقوا بآلاف وبدأوا يملأون من تلك الماء العذبة، وأنا أنتظر أن تجف، فلا تجف، وظل أهل السويس يشربون منها إلى أن تم رفع الحصار عن المدينة، وعادت جافة بمجرد فك الحصار".
الجريدة الرسمية