رئيس التحرير
عصام كامل

حلم التكنولوجيا الصعب أمام العالم العربي رغم وفرة المال

فيتو

يسأل كثيرون في عالمنا لماذا لا ينتقل إنتاج وابتكار التكنولوجيا الداعمة لإقامة صناعات متطورة في الدول العربية رغم استثماراتها الضخمة التي تقدر بنحو 2.4 تريليون دولار في الدول الصناعية والصاعدة حسب تقديرات مجلس الوحدة الاقتصادية التابع للجامعة العربية.

آخر هذه الاستثمارات توقيع صندوق الاستثمارات السعودي على صفقة بقيمة مليار دولار لإنتاج سيارة كهربائية في ولاية أريزونا الأمريكية. وسبق ذلك اتفاقيات مع شركات أجنبية بعشرات المليارات من قبل جهات عربية خاصة وعامة لتجميع وإنتاج معدات وأجهزة عالية التقنية في مجالات الطاقة والاتصالات والأمن والدفاع والصحة وغيرها.

وتعود الاستثمارات العربية في شركات صناعية غربية رائدة إلى نحو أربعة عقود عندما استثمر الكويتيون في سبعينات القرن الماضي عدة مليارات في شركة دايملر الألمانية لصناعة مرسيدس. وتبعها الاستثمار بشركات سيارات وبناء وتعدين وكيماويات من قبل مستثمرين من قطر والإمارات وليبيا ومصر.

غير أن كل هذه الاستثمارات لم تفلح في نقل التكنولوجيا العالية وتوطينها في أيّ دولة عربية حتى الساعة! ومن الأدلة على ذلك أنه لا يوجد سيارة أو هاتف أو كومبيوتر أو أي منتج آخر رائد وعالي التقنية عربي على الصعيد العالمي.

أكبر من الفساد والبيروقراطية
رغم جهود عدد من الدول العربية كمصر والمغرب وتونس وسوريا والإمارات ونجاحها في إنتاج وتطوير تقنيات محلية بتقنيات متواضعة في مجالات كالأنسجة والأغذية والأجهزة المنزلية والأدوية ومستلزمات السياحة والسفر. لكن الخبراء والمعنيين كالعادة على تحميل الرشوة والمحسوبية وسوء استغلال السلطة والبيروقراطية وغياب البنية التحتية المسئولية الأكبر عن غياب التكنولوجيا الوطنية. وعلى الرغم من الدور المحبط والمعرقل لهذه العوامل، فإن هناك عوامل أخرى تبدو أكثر أهمية أو لا تقل أهمية عنها تغيب عن الواجهة.

ويبرز من بينها بشكل خاص غياب ثقافة العمل والتنظيم الجماعي وروح الانضباط وحرمان المبدعين من حقوق ملكيتهم الفكرية. ويدعم هذا الرأي خبرات بعض الدول التي تمكنت من تحقيق تقدم تكنولوجي وصناعي هائل رغم معاناتها من مشكلات الفساد والبيروقراطية وضعف البنية التحتية. ومن بين هذه البلدان على سبيل المثال تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وتشيلي والبرازيل واليوم فيتنام وغدا دول أخرى. ولا يظهر أثرٌ يذكر للدول العربية بين الدول الصاعدة في مجال نقل التكنولوجيا وتوطينها على أساس وطني ومتكامل.

أهمية التنظيم وروح الفريق
فيما يتعلق بثقافة العمل تتمتع دول عربية مثل مصر وسوريا والعراق وتونس والمغرب والأردن بكفاءات فردية متنوعة وعالية وعالمية المستوى في مجالات عدة أبرزها الهندسات والطب والبحث والتعليم الأكاديمي. وبدأت دائرة ظهور الكفاءات الوطنية بالتوسع حتى في بلدان الخليج التي كانت فقيرة بها إلى عهد قريب. غير أنه لا يوجد دولة عربية واحدة حتى الآن قادرة على جمع كفاءاتها في إطار مشاريع تقوم على البحث والتطبيق والإبداع في نقل التكنولوجيا الأجنبية العالية وتوطينها محليا بهدف الإبداع لاحقا في إنتاج ما هو أحدث منها بشكل يلبي متطلبات السوق المحلية والأسواق العالمية كما فعل الصينيون والماليزيون والكوريون خلال العقود الأربعة الماضية.

ويذكّر هذا الوضع بحالة مشابهة في أوروبا تنطبق على ألمانيا وبولندا. كلاهما لديه من الكفاءات ما يعادل الآخر، غير أن ثقافة العمل وروح الفريق الجماعية السائدة في ألمانيا والإطار التنظيمي والقانوني السائد فيها على صعيد العمل والاستثمار تساعد على توحيد جهود القوى المبدعة الألمانية في إطار مؤسسات وشركات رائدة في جميع المجالات، في المقابل نلاحظ تشتت الكفاءات البولندية خارج وطنها الأم بشكل فردي في مختلف دول العالم بسبب غياب القدرة على التنظيم والإبداع الجماعي مقارنة بألمانيا. وهذا ما يذكر بتشتت الكفاءات السورية والمغربية والمصرية والعراقية وغيرها من الكفاءات العربية في مختلف أصقاع المعمورة.

الكفاءات
وإلى جانب عجز الحكومات تبدو الكفاءات العربية في سلوكها نسخة عن حكومات بلدانها إلا ما ندر. فهي ما أن تجتمع تحت سقف مشروع أو شركة حتى تبدأ بالاختلاف على قضايا هامشية تضّيع غالبا فرص العمل المشترك المبدع والمستدام بشكل يساهم في بناء قاعدة صناعية وطنية تقوم على نقل التكنولوجيا الأجنبية وتطويرها في إطار تراخيص ومشاريع مشتركة.

أما عن انضباطها فحدث ولا حرج، فالغياب وعدم احترام أوقات الدوام في العمل وغياب الدقة وظهور عيوب كثيرة في مخرجات العمل ليس سوى بضع أمثلة على تفاقم هذه المشكلة. وتقف هذه العيوب إلى حد كبير وراء ضعف إقبال الشركات الصناعية الأجنبية على الإنتاج في الأسواق العربية. وقد قامت بعضها حتى بتوقيف إنتاجها هناك كما فعلت شركة مرسيدس التي أغلقت مصنعها في مصر في عام 2015 بعد ثماني عشرة سنة من تجميع السيارات هناك بحجة عدم الجدوى في سوق قوامها نحو 100 مليون نسمة!

ويزيد الطين بله غياب الخطوات التنفيذية اللازمة لحماية حقوق المبدعين والمبتكرين والشركات المعنية رغم صدور قوانين جيدة خاصة بالملكية الفكرية في أغلب الدول العربية. ولا تبدو المشكلة هنا في القانون بقدر ما هي في غياب آليات تطبيقه في ظل التجاوزات التي يتم التستر عليها بأشكال متعددة لا تقتصر على الرشاوى والمحسوبية. ومن هذه التجاوزات على سبيل المثال عمليات الغش التي تحصل من خلال صناعة مئات الأنواع من الألبسة بنوعية رديئة وبيعها تحت اسم علامات تجارية عالمية.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية