رئيس التحرير
عصام كامل

إشراقات نورانية


أودع الله تعالى نورا في القلب ونورا في العقل وجعل سبحانه هوى النفس بينهما حائلا لالتقاء النور بالنور، وفتح باب مجاهدة النفس حتى يلتقي النوران، فعلينا بمجاهدة أنفسنا، حتى نصل النور بالنور، ومجاهدة النفس تكون بكسر شهوتها ومخالفة هواها، ولا يتأتى ذلك إلا بالاجتهاد في العبادات وأعمال النوافل والاستقامة على منهج الله تعالى القويم، والتمسك بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.


ويعين على ذلك مصاحبة الصالحين وأهل محبة الله تعالى، والجوع والصمت والخلوة والسهر خاصة في بداية سلوك طريق الله تعالى..

غذاء الأرواح وحياة القلوب واطمئنانها في ذكر الله.. يقول تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"... هذا، ويقام العبد في معية الله تعالى ويذكر في حضرته سبحانه، يقول تعالى: "أذكروني أذكركم"، ومن ذكره تعالى لا يشقى أبدا.. ليس هناك شئ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحسنكم أخلاقا"..

وإن العبد ليصل بحسن خلقه منازل النبيين والصديقين والشهداء.. جمال اللسان في الكلام الطيب، وجمال العين في الغض عن المحارم وجمال النفس في العفة والقناعة والرضا، وجمال القلب في صفائه وطهره وجمال العقل في أحكام الهوى وجمال الإنسان في أدبه ظاهر باطن...

آيات الله تعالى في الكون لا أول لها ولا آخر، فكل ما يقع البصر عليه آية من آيات الله وكلها تحمل مظاهر القدرة والعظمة والإبداع الإلهي، فسبحان البديع المبدع القادر المعجز الذي أتقن كل شيء خلقه.. ليس بين الله تعالى وعباده مسافة، فالله أقرب للعبد من قرب الروح إلى الجسد، ومن نور الإبصار إلى البصر، فاللهم يا من هو أقرب من القرب، ويا من هو عين القرب، قربنا إليك وأشعرنا بهذا القرب وأذقنا حلاوته..

من عظيم رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين العصاة في الدنيا أن فتح لهم باب التوبة وبسط لهم يده سبحانه بالرحمة والتوبة والمغفرة بالليل والنهار، ومن عظيم رحمته عز وجل في الآخرة، يتداركهم بالرحمة والمغفرة، يقول سبحانه في الحديث القدسي: إن جاءني عبدي يوم القيامة بذنوب ما بين السماء والأرض وهو لا يشرك بي أحدا، أتيته قرابها.. أي ما يعادلها ويُوازيها مغفرة"، ما أرحمك ربي وما أرأفك بعبادك...

بعد رحلة حافلة بالتقلبات وأنا أضرب في طريق الله، استخلصت الآتي، لا حركة ولا سكنة إلا بعلمه تعالى وقدره وتقديره سبحانه، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله، وأن له تعالى الأمر من قبل ومن بعد سبحانه وأنه فعال لما يريد، من صدق في كونه طالبا لله تعالى جعله عز وجل مطلوبا، ومن صدق في كونه مريدا له عز وجل صيره الله بالفضل مرادا، فلنصدق في المحبة والقصد والطلب، اصدقوا الله يصدقكم..

وأنا في رحلتي إلى الله تعالى عانقت الوهم سنين، وكنت أظنه أنه حقائق وأني قد عرفته، إلى أن تداركني بمنته سبحانه وأشرق على قلبي بأنوار الحقيقة والمعرفة وأدركت أنه لا يعرف الله إلا الله سبحانه...

تحدثا بفضله تعالى، كنت كلما توقفت عند إشراقة نور معرفة وظننت أني قد عرفته سبحانه، كانت لوائح المنن تلوح لي وتقول، لا تلتفت ولا تقف مع معرفتك، فالله خلاف ذلك... سبحان الذي يغير ولا يتغير، سبحان الذي يحيي ويميت وهو حي دائم باق، سبحان الذي لا يرام، سبحان الدائم الديوم الأبدي السرمدي، سبحان الذي ليس كمثله شيء، سبحان الباقي بعد فناء كل شيء، سبحان الله...

جاء في هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكثروا من قول لا إله إلا الله فإنها تهدم الذنوب هدما"، وقال: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة".. بعد أن أشرفنا على نهاية العمر وجدنا العز في الطاعة والذل والمهانة في المعصية والغني في القناعة والسعادة في الرضى والراحة في التسليم والانقياد إلى الله تعالى، والهداية في اتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الجريدة الرسمية