رئيس التحرير
عصام كامل

صاحب أقدم محل «وابور جاز» بالقليوبية وحكايات مهنة الزمن الجميل (فيديو)

فيتو

بملامح سمراء ووجه بشوش لم يستطيع الزمن تغيير ابتسامته.. أصدقاء عشرة عمر يهونون عليه الكثير، بتداول الحديث بينهم عن زمن عاشوا فيه أجمل أيام حياتهم وتذوقوا طعم الحياة بكل لحظاتها.. في هدوء تام يعيش صاحب أقدم محل لإصلاح "باجور الجاز" بالقليوبية.


"فتحي سعيد أمين الذي تجاوز عمره الستين عاما صاحب أقدم محل لتصنيع "وابور الجاز " بمدينة الخصوص بالقليوبية، ذلك الشيء النحاسي الذي ما زال يبرق ليصف زمن جميل عاش فيه ولم ينطفئ بريقه في ذاكرته، ورث أمين المهنة عن والده، وورث أيضا عنه محل وأدوات يرجع تاريخها لأكثر من نصف قرن تقريبا، رافضا كل الأساليب الحديثة حفاظا على روح زمن ارتبط لديه بحلاوة أيام عاشها، وفضل أن يبقى على ذكراها، حتى نهاية العمر.

"دكان صغير" في شارع جانبي لا تتعدى مساحته 100 متر مربع، يجلس أمين بين ذكرياته وسط "بوابير" الجاز التي يرجع عمر بعضها إلى فترة الاحتلال البريطاني لمصر، مع آلة ثقيلة هي صميم عمله تسمى "فرن حراري" أشبه بصندوق كبير على سطحه ماكينة تخرج نارا وبعض الزجاجات من المواد المستخدمة في عمله منها مياه النار، بالإضافة إلى عصا نحاسية يطلق عليها "الكاوية".

يشرح أمين طريقة عمله في إصلاح "وابور الجاز" بوضعه داخل الماكينة، وفتح زر الفرن لتخرج الماكينة اللهب، وتطهر المكان المراد لحمه أو إصلاحه من " البابور" بمياه النار، وبعدها يتم وضع بعضا من مادة "القزير"، هي مادة لاصقة تشبه الصمغ على "الكاوية" يبدأ في إصلاح الجزء المراد من الباجور.

"ورثة المهنة عن والدي" هكذا سرد أمين ذكريات طفولته الذي يرجع مسقط رأسه إلى منطقة الشرابية بالقاهرة، وجاء إلى الخصوص منذ عقود مع والده، وأتقن تلك الصنعة هو وأخيه الذي فتح محلا بالقاهرة، وظل هو مصرا على بقائه بالخصوص، بعد تكوين الأصدقاء وعشرة العمر وحفظ شوارع المدينة وملامح أهلها، ولم يستطع العيش خارجها.

نصف جنيه فقط كان كافيا لإصلاح بابور بالكامل، وكانت كافية لأن يغلق غلاق أمين دكانه طوال اليوم، والاكتفاء برزقه وشراء كل متطلبات أسرته ولكن الآن أقل شيء لفتح الماكينة والبدء في الإصلاح هو 5 جنيهات، لكن لا أحد يشتري جديدا كل ما يعمل عليه الرهان على بعض "الزبائن" القدامى من السائحين الإنجليز، الذين تربطهم به علاقة جيدة، ويطلبون "البابور كتراث" باعتباره شيئا أثريا ويباع الواحد نظير 300 جنيه تقريبا.

وعن حاله يقول "الحال مش زي زمان"، والمهنة ليست مربحة، ولكني أحرص على فتح الدكان في الصباح الباكر، وعدم مغادرته إلا في المساء لأحقق ربحا معنويا من نوع آخر، وهو الجلوس كعادتي مع عشرة العمر وأصدقاء الأيام الحلوة، وهما صاحب المنزل الموجود به المحل، والذي يعرفه منذ أن كانا يلهوان صغارا في المكان إلا أن تم هدمه وإعادة بنائه بالمسلح، وأخذ نفس المكان في المنزل وحرص على وضعه كما كان الدكان القديم، وهو الحاج عبده يمين وصديقه الآخر هو أقدم خطاط يد وهو الحاج صفوت الحمزاوي، يدخنون الشيشية يوميا، ويطردون في دخانها سنوات قاسية يعيشونها حاليا وسط صخب الحاضر، ويعيدون ذكريات الماضي التي بمثابة طاقة يستردون منها القوة لاستكمال ما بقي من العمر.

الدكان ليس حوائط بالنسبة له بل يحوي أجمل أيام حياته، و"البابور" لم ينتهِ بعد، وما زال الأمل موجودا هكذا يراهن أمين، فهناك العديد من المنازل بالخصوص التي تحتفظ به منذ سنوات، وتشغله وقت انقطاع الغاز الطبيعي أحيانا، لينجز لهم المهام على أكمل وجه، يكثر استخدامه في فصل الشتاء كمدفئة تنسيك قسوة البرد.
الجريدة الرسمية