رئيس التحرير
عصام كامل

نحن وأمريكا.. سوء فهم تاريخى

18 حجم الخط

لم يبق محلل سياسي أمريكي، أو سياسي أمريكي إلا وتناول التخلي عن أفغانستان بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي هناك ‏وعودة قواته إلى موسكو، ذاك التخلي كان من نتائجه الفظيعة قيام حركة «طالبان» ونجاحها في إبعاد أمراء الحرب ‏‏"المجاهدين" عن السلطة، بعد ذاك حكمت «طالبان» كابول واستضافت «القاعدة» وأسامة بن لادن، ثم كانت مأساة 11 أيلول ‏‏(سبتمبر) في عقر دار أمريكا، والبقية معروفة‎.‎

يمكن أن نضيف تخليًا آخر حصل في العراق مع الانسحاب الأمريكي منه، ويتضح، واليوم خصوصًا، معنى هذا التخلي ‏وحجمه، فيما العراقيون يعيشون عشية احتمال خطير ربما اتخذ شكل الحرب الأهلية السنية–الشيعية المفتوحة، فضلاً عن التعطل الواسع والعميق الذي يطاول كل شيء في العراق، من الخدمات والفساد، إلى «العملية السياسية»، ناهيك عن ‏تعاظم الدور الإيراني في بلاد الرافدين‎.‎
وثمة نوع ثالث من التخلي يمكن تسميته بالتخلي الاستباقي، وهو ما تعيشه سوريا اليوم، فالستون ألف قتيل أو أكثر، ‏واحتمال نشوب حرب أهلية مفتوحة مصحوبة بتوسع التنظيمات الإرهابية والسلفية، والتصدع الهائل الذي قد يطاول منطقة ‏المشرق برمتها بسبب الدراما السورية، لم يحفز الولايات المتحدة على تورط جدي، مباشر أو مداور، ينهي النظام الأسدي ‏القاتل والمترنح في آن‎.‎
وفي معزل عن وجود «اتفاق» مع روسيا أو عدم وجوده، يبقى من المؤكد أن حساب روسيا وإيران من أسباب الإحجام ‏والتردد الأمريكيين، وقد يضاف الحساب الإسرائيلي وعدم اطمئنان تل أبيب إلى الغد السوري الغامض، كما قد يضاف ‏حساب الأقليات، وهو ما لا يكف الكثيرون من أبناء الأقليات المسيحية على «تحذير» الغرب منه، وهذه حسابات تنعطف ‏على ما بات معروفًا جيدًا من وضع اقتصادي أمريكي وغربي سيئ، وتجارب سابقة مؤلمة ومكلفة مع الحروب‎.‎
لكن هذه العوامل وغيرها باتت قابلة لأن يُنظر إليها كجزء من مناخ أعرض، يمكن اعتباره سوء تفاهم تاريخي عميقًا.‎‎
ذاك أن التبسيط الأمريكي غالبًا ما يعجز عن التقاط العمليات الكثيرة والمتفاوتة التي تسجلها حقبة واحدة وحركة واحدة من ‏حقب «العالم الثالث» وحركاته. وهكذا، غالباً ما يسود الاختزال إلى «ديموقراطية» و «حقوق إنسان» يتسبب التسمر عندها بتلبد ‏في صورة ما يجري، وبقابلية خصبة لتلقي الصدمات واحدة بعد أخرى، لقد رأينا مثل هذا في العراق مثلاً، حين صُورت ‏الحرية التي حظي بها العراقيون في 2003 على أنها الديموقراطية بعينها، كما رأيناه على سوية أخرى في مصر، حيث ‏انتقل نظام محمد مرسي إلى نظام "ليس صديقًا ولا عدوًا‎".
وفي المقابل، فإن الكثير مما يهب من جهتنا لا يساعد كثيراً في الفهم، من ذلك مثلاً الحرج الذي تحمله لنا العلاقة الصريحة ‏بالغرب، وبالولايات المتحدة تحديدًا، والحرج المقابل في التنصل من «أشقاء» و«أولاد عم»، كـ «القاعدة» وأخواتها، لا يكونون ‏إلا عبئًا على اكتساب دعم الغرب، وعبئًا أكبر على مستقبل شعوبنا نفسه، وهذا ما يمت بأوثق الصلات إلى الغلبة التي ‏يحرزها البُعد القرابي، الديني والمذهبي، على عملياتنا السياسية، مع ما يستتبع من تفتت أهلي يجعل البدايات مرشحة لأن ‏تنقلب نهايات‎.‎
شيء واحد يمكن الجزم فيه، هو أن مصلحة الطرفين، شعوبنا والغرب، لاسيما الولايات المتحدة، تكمن في التقارب ‏والتلاقي، إن لم يكن خدمةً لأغراض اليوم فخدمةً لأغراض الغد بالتأكيد.‎
نقلاً عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية