رئيس التحرير
عصام كامل

«فلوس المعاشات» في مغارة علي بابا.. مليارات الجنيهات تحولت إلى حزمة أوراق.. أصحابها يعيشون على الكفاف.. 9 مليون عدد المتضررين.. وخبراء يطالبون بإعادة النظر في «أموال الغلابة»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


في يونيو الماضي أقر مجلس النواب مشروع قانون لإقرار الزيادة السنوية لأصحاب المعاشات بنسبة 15%، كما أقر رفع الحد الأدنى للمعاشات، ليرتفع من 500 جنيه إلى 750 جنيها في بداية شهر يوليو الماضي، وتقول التقديرات الرسمية: إن 9 ملايين صاحب معاش، مجبرون على إدارة بيوتهم بمئات الجنيهات رغم أنهم يمتلكون مليارات أرباحها كفيلة لرفع الحد الأدنى بما يضمن لهم حياة كريمة، فوفقا لتصريحات لوزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والى بلغت أموال التأمينات الاجتماعية 755 مليار جنيه في شهر ديسمبر الماضى.


ولم تتوقف مطالب أصحاب المعاشات بضرورة إدارة تلك المبالغ الضخمة من خلال هيئة مستقلة تدر لهم عائدا وتطبق نص المادة (17) من الدستور المصري "تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعى. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق في الضمان الاجتماعى، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه وأسرته، وفى حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة. وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة، وفقًا للقانون. وأموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر استثمارًا آمنًا، وتديرها هيئة مستقلة، وفقًا للقانون وتضمن الدولة أموال التأمينات والمعاشات".
من جانبه استبعد البدري فرغلي، رئيس اتحاد أصحاب المعاشات، تنفيذ مطالب أصحاب المعاشات، مشيرا إلى أن تلك المطالب لا تصب في مصلحة وزراء المالية والتضامن الاجتماعي، اللذين يستفيدان من أموال المعاشات.

قانون خاص
وأوضح أن لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، من المقرر أن تبدأ في مناقشة مشروع القانون الخاص بالتأمينات الاجتماعية، والمعاشات في دور الانعقاد الرابع، مشيرا إلى أن المشروع يتضمن ضرورة إنشاء هيئة مستقلة لإدارة أموال المعاشات، ووضع خطة جديدة لاستثمار أموال التأمينات بشكل آمن بحيث يضمن حقوق أصحاب المعاشات، بالإضافة إلى رفع قيمة المعاشات لإحداث التقارب بين قيمة الراتب الذي يأخذه العامل أثناء عمله وبين المعاش الذي تضعه له الدولة جراء خدمته في العمل.

وتوقع فرغلى ممارسة ضغوط على مجلس النواب لمنع تمرير هذا القانون، مستشهدا بعدم تطبيق نص المادة (17) من الدستور حتى الآن. واعتبر أن أموال أصحاب المعاشات التي زعم وصولها لتريليون جنيه أصبحت في ذمة التاريخ بعد أن تحولت لحزم ورق في الخزانة العامة للدولة منذ وزارة وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي الذي وضع يده على تلك الأموال.

إهدار مال عام
واتهم رئيس اتحاد أصحاب المعاشات وزراء المالية والتضامن بالتعاون لإهدار أموال أصحاب المعاشات بعد أن تم دخولهم الخزانة العامة بفائدة 8% و9 % مع إن الفوائد الرسمية المحددة من البنك المركزى محددة ما بين (16% :20%)، مؤكدا أن قدرتهم كأصحاب معاشات على المقاومة أصبحت محدودة في ظل ما وصفه بالحصار المفروض عليهم من قبل الحكومة.

من جانبه كشف مصدر بالتأمينات الاجتماعية –فضل عدم ذكر اسمه-، أن أموال التأمينات تحت سيطرة وزارة المالية منذ عهد وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، موضحا أن هناك عددا من الشركات المحدودة (8 شركات) بالإضافة لنسبة 2% في البورصة هو ما "أفلت" –على حد تعبيره- من يد بطرس غالي وتديره وزارة التضامن الاجتماعي، واستبعد المصدر إقرار مشروع قانون النواب بإقامة هيئة مستقلة تدير الأموال وأن تكون الأرباح لصالح أصحاب المعاشات، مرجعا ذلك لكون وزارة المالية ليس من مصلحتها هذا الأمر، فيما رفض الدكتور محمد العقبي المستشار الإعلامي لوزارة التضامن الاجتماعي التعليق أو الحديث في هذا الأمر!!

الهرم المقلوب
النائب عبد الرازق الزنط، عضو لجنة القوى العاملة في مجلس النواب، أحد المهتمين بتعديل أوضاع أصحاب المعاشات و مشروع قانون يقضي بأن يكون المعاش بنسبة 80% من آخر راتب تقاضاه صاحب المعاش أثناء الخدمة، نفى في تصريحات مع «فيتو» تحميل موازنة الدولة أي أعباء جراء هذا التشريع، موضحا أن التمويل سيكون من خلال زيادة المستقطع من الراتب أثناء الخدمة، بالإضافة إلى الاستثمار الفعال والآمن لأموال التأمينات والمعاشات.

وأوضح "الزنط" أن الهدف من مشروع القانون هو مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للموظفين، لكي يحصل الخارج على المعاش، على دخل يستطيع من خلاله مواجهة صعوبات الحياة، وتتلخص فلسفة التشريع في أن يكون المعاش بواقع 80% من الأجر الذي يتقاضاه الموظف أثناء الخدمة، منوهًا إلى أن هذا التشريع، حال إقراره، يحتاج إلى فترة انتقالية، تتراوح من عامين إلى ثلاثة، بحيث تتم زيادة الخصم من الموظف والمؤمن عليهم، وينطبق بالفعل على من خرجوا للمعاش قبل صدور هذا القانون.

وبشأن الآلية التي يمكن من خلالها دخول من خرجوا للمعاش في وقت سابق تحت مظلة هذا القانون، أجاب "الزنط": سيتم التوازن من أجل المساواة بين كل أصحاب المعاشات، بحيث يتم زيادة العلاوات الدورية لأصحاب المعاشات من 15% إلى 40%، وبذلك يتساوى أصحاب المعاشات قبل صدور القانون ومع من يشملهم التشريع المرتقب.

وشدد "الزنط" على أنه لن يتم تحميل الدولة أي أعباء مالية إضافية، والتمويل سيكون من خلال زيادة المستقطع من الراتب أثناء الخدمة، بالإضافة إلى استثمار أموال التأمينات والمعاشات بشكل أمثل وأكثر أمانا.

ودعا النائب وزارة التضامن الاجتماعى إلى تطوير الحساب الأكتواري لاشتراكات المؤمن عليهم لتنفيذ زيادة معاشات الموظفين بحيث تكون 80% من قيمة الراتب أثناء الخدمة، معربًا عن أمله في أن يتم إقرار مقترحه خلال دور الانعقاد المقبل، ونافيًا في الوقت ذاته تعارضه مع تعارض المشروع الذي تقدم به من قبل النائب محمد وهب الله.

إعادة نظر
وبدورهم.. أكد خبراء ومستثمرون ضرورة أن تعيد الحكومة النظر في سياستها تجاه أصحاب المعاشات من خلال إيجاد فرص بديلة للاستثمار الآمن، أو من خلال الطروحات الحكومية المقبلة في البورصة، وأشاروا إلى ضرورة خفض نسبة تحمل الموظفين من رواتبهم لصالح التأمينات، مع ضرورة مضاعفة المرتبات والمحاسبة على إجمالي الراتب.

الخبير الاقتصادى وائل النحاس قال: إن العديد من الدول الأجنبية نجحت في استثمار أموال المعاشات في عدد من المشروعات الآمنة التي يمكنها أن تدر دخلًا يساهم في رفع قيمة المعاشات، ولا يزيد من أعباء ميزانية الدولة، لافتا إلى أن عدد مستحقى المعاشات في مصر تجاوز الـ9 ملايين مواطن، وأن الوضع الحالى لأموال المعاشات يزداد سوءا يوما بعد يوم، خاصة أن أموال التأمينات المستثمرة بالبورصة أو المستثمرة في جهات أخرى ذات عائد ضعيف.

وأضاف أن تدنى قيمة المعاشات بالنسبة للرواتب الأساسية أمر في غاية الصعوبة، خاصة في ظل عدم المصداقية من بعض الجهات الرسمية التي تؤكد أن البطالة انخفضت مؤخرا إلى 10.5% ما يعنى زيادة المؤمن عليهم نتيجة التوظيف، بالإضافة إلى ارتفاع الحد الأدنى للمعاشات إلى 300 جنيه، مضيفا أن حجم رأس مال صندوق المعاشات يصل إلى 600 مليار جنيه، ويحصل على أقل فائدة في العالم، وهو ما يدعو للتساؤل أليس من حق أصحاب المعاشات أن تزداد قيمة معاشاتهم بشكل يتناسب مع ارتفاع معدلات التضخم، أسوة ببعض الفئات، لكن الإرادة السياسية الحقيقية للحكومة لا تسعى لحل أزمات مستحقى المعاشات.

وشدد النحاس على ضرورة أن نبدأ من جديد بفكر مختلف عن الفكر القديم، من خلال استغلال الفرص المتاحة لتحسين أحوال أصحاب المعاشات، مقترحا ضرورة أن يستفيد أصحاب المعاشات من الشركات التي تسعى الحكومة لطرحها في البورصة قريبا، والتي تصل قيمتها إلى 40 مليار جنيه لتكون لأصحاب المعاشات في شكل أسهم، يتم استثمارها في البورصة لصالحهم، وبذلك ينخفض عبء الدين الحكومى بقيمة 40 مليار جنيه، وتزداد عائدات أصحاب المعاشات بقدر كبير يكفى لمواكبة وتحمل أعباء التضخم، لافتا إلى أن هذا المقترح سيحد من تبعات أزمة ضياع أموال المعاشات في السابق، ويخفض من الدين العام الحكومى وينعش حصيلة صندوق المعاشات ويدعمها في مواجهة الصعوبات المتتالية.

صندوق المعاش الحكومي
وقال أن هناك مقترحا آخر يمكن من خلاله التغلب على أزمات صندوق المعاش الحكومى خاصة مع تردد أنباء لا نعلم مدى صدقها بنية الحكومة تسريح 2 مليون موظف خلال السنوات المقبلة، وهو ما سيزيد من أعباء الصندوق بشكل كبير، لذلك لا بد من التحرك بشكل قوى وجاد لإنشاء صندوق جديد للمعاشات ينافس صناديق وشركات التأمين الخاصة، ويتم إعادة مخاطره داخل الدولة، من خلال دراسة أكتوارية تحدد قيمة الأقساط الشهرية أو السنوية لراغبى الاشتراك في الصندوق، ويكون بديلا للصندوق القديم ويتحدد قيمة القسط تبعا لرغبة العميل وحجم أقساطه والعمر، بحيث يستطيع تحديد قيمة المعاش المستحق له فور تركه العمل، وأوضح أن الصندوق الجديد سيحد من الأعباء المثقلة على الصندوق القديم، ويمكن استثمار أمواله في المشروعات القومية العملاقة ذات العائد الكبير لصالح أصحاب المعاشات، مثل مشروعات الطاقة والكهرباء واستصلاح الأراضي، ويمثل رأس ماله جزءا من أموال المعاشات في الصندوق الحالى، وشدد على ضرورة الإسراع في إيجاد حلول حقيقية بعيدا عن التصريحات الحكومية لكى نتجاوز الأزمة، ونخرج من حقيقة إمكانية إعلان إفلاس صندوق المعاشات للتنصل من مستحقات أصحاب المعاشات.

بدوره قال الدكتور محمد حلمى هلال أمين اتحاد المستثمرين: إن فكرة وجود تشريع موحد للمعاشات، يتم حساب المعاش فيه وفق ما يحصل عليه الموظف من مرتب أثناء الخدمة، فكرة جيدة وستحقق عدالة اجتماعية بين المواطنين، كما أنها ستحل أزمة الفجوة بين حجم الراتب الأساسى والمعاش، وقال إنه من الظلم أن يعمل الموظف لسنوات طويلة لخدمة عمله ووطنه، وفى النهاية يتم تخفيض راتبه إلى هذا الحد، لافتا إلى أن اتحاد المستثمرين اقترح تحديد نسبة 20% من قيمة المرتب الإجمالي يتم تحصيله، على أن يتحمل أصحاب العمل 12% ويتحمل الموظف أو العامل 8% من إجمالي قيمة المرتب، وأضاف أن أموال المعاشات هي مستحقات حقيقية لأصحاب المعاشات الذين يعملون نحو 40 عاما، وعندما يخرجون للمعاش لا يجدون ما يضمن لهم حياة كريمة لما تبقى لهم من عمر، وأضاف أنه لا بد من استثمار أموال المعاشات في استثمارات آمنة كالاستثمار في الذهب والأراضي والعملات كاليوان واليورو والدولار، مشددا على ضرورة تنويع المحفظة الاستثمارية.

وقال المهندس محمد المرشدى رئيس جمعية مستثمرى العبور، عضو مجلس النواب: إن مشكلة المعاشات مزمنة ولا سبيل لإيجاد حلول حتى الآن، موضحا أن هناك اتفاقا بين رجال الأعمال والصناعة على ضرورة تعديل تعريفة التأمينات الاجتماعية، وأضاف أن هناك مقترحا لخفض نسبة مساهمة مؤسسات الأعمال والعمال في التأمينات، لتكون 20% أو 15%، مع مضاعفة المرتبات بما لا يؤثر على نشاط الشركات والمؤسسات الصناعية والاستثمارية، وتابع: "نأمل في أن يفتح مجلس النواب في دور الانعقاد الرابع ملف أصحاب المعاشات ونسب التحمل على الموظفين وأصحاب الأعمال وكيفية سداد المتأخرات وإيجاد وسائل أخرى للاستثمار الآمن".

"نقلا عن العدد الورقي..."

الجريدة الرسمية