رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

معركة الأصنام في الكويت!


شهدت الكويت الأيام الماضية معركة بين المثقفين وغالبية الشعب من جهة، وأصحاب اللحى المنتمين للجماعات الإسلامية من جهة ثانية بسبب "الأصنام"، قد يبدو الأمر مضحكا للوهلة الأولى.. لكن شر البلية ما يضحك، خصوصا أن "معركة أصنام الكويت" انتهت بانتصار "طيور الظلام" في بلد التنوير والفن والثقافة بالخليج العربي!.


بدأت القصة بإعلان أحد المتاجر عن تنفيذ وبيع تماثيل ومجسمات شخصية بأحدث تقنية ثلاثية الأبعاد "Doob" ذات دقة عالية وبأحجام متفاوتة، تستخدم للذكرى والتسلية وأيضا في الطب والهندسة وغيرها، رغم ارتفاع سعر تصوير الشخص وتنفيذ تمثاله إلا أن التقنية راجت سريعا، ليكشر أعضاء الجماعات الإسلامية عن أنيابهم في حملة استعراض قوة.

أوعز قيادات جماعة "الإخوان فرع الكويت" للمنتمين لهم ببدء حملة "تويترية" ضد التقنية الحديثة، وانضم إليهم السلفيون وباقي الإسلاميين، تغريدا على هاشتاج "أصنام في الكويت"، ليصبح "ترند" وسط ذهول المواطنين والمقيمين بينما ظلت الحكومة تراقب من بعيد دونما تدخل في الأمر.

أجج النائب البرلماني "الإسلامي" محمد هايف المطيري حملة الاستنكار بتغريدة: "لا بد من منع صناعة هذه المجسمات والتماثيل، بعد غزوها جزيرة العرب، إذ وصل التساهل حد إنشاء معابد في بعض دول الخليج.. وفي الكويت يوجد معرض مجسمات نسخة طبق الأصل للإنسان، وهي خطوات منكرة في بلاد التوحيد التي هُدِمت فيها الأوثان، وما عودتها إلا من علامات الساعة، ويجب على وزير التجارة منعها".

وتبعه الداعية "السلفي" عثمان الخميس مغردا أن "ما يفعله محل المجسمات منكر، وأخطر من الخمور، لأنه يحيي قضية الأصنام؛ ما قد يدفع بعض الأشخاص لصناعة أصنام لأولادهم، لذا يجب إغلاقه فورا".

وتكتمل "ثلاثية المعركة الإسلامية الموجهة" مع تدوينات وزير العدل والأوقاف السابق د.نايف العجمي: "صنع التماثيل باستخدام التقنية الحديثة حرام شرعًا، ولا يجب استخدامها إلا للفائدة ضمن حدود الشرع، لكن لا يجوز وصف التماثيل المجسَّمة بأنها أصنام، إلا إذا عُبِدت. أما مجرد الصورة فإنه يقال لها تمثال، وغني عن القول إن التماثيل ذريعة إلى الشرك الأكبر، وهذا من أبرز أسباب تحريمها".

هذه المشاركات فتحت الباب على مصراعيه للمساهمة تغريدا في "معركة الأصنام" ومع تباين الآراء، دخل على "خط المعركة" عضو المجلس البلدي عبدالله مرزوق الرومي: "تم إغلاق محل بيع المجسمات في الكويت.. لا نقبل مثل هذه المحال في البلاد، وهذا من أكبر المحرّمات والمنكرات حسب ما وصفه رجال الدين".

وأمام الغضب الشعبي رد محمد اليوسفي عضو مجلس إدارة الشركة المنتجة للمجسمات: "لم نتوقع أبدا أن نقدم خدمة في العام 2018 ثم يأتي من يتهم الشركة بأنها تبيع أصناما.. لذلك قررنا سحب ما في معارضنا من المجسمات ثلاثية الأبعاد على هيئة البشر، حماية للموظفين من التعرض لأي إساءة أو هجوم غير متوقع، خصوصا بعد التهديدات على تويتر. كما تقدمنا بطلب إلى الشركة الأم في الخارج لجلب مجسمات بالتقنية نفسها، على أن تكون بعيدة عن الأشكال البشرية، حتى نخرج من دائرة التكسبات السياسية".

وضع اليوسفي يده على الجرح، لأن "معركة أصنام الكويت" أساسها "تكسب سياسي"، فقد سعى المنتمين للجماعات الإسلامية من أعضاء البرلمان والمجلس البلدي والدعاة إلى الاستفادة القصوى من تقارب الكويت الشديد مع قطر وتركيا، وهما أبرز داعمي "الإخوان والجماعات الإسلامية"، بالعودة إلى الشارع وقياس تأثيرهم على الرأي العام وتعويض بعض خسائرهم في الأعوام الماضية.

لم تفد سخرية الشعب من منطق وجهل الجماعات الإسلامية، واضطرت الشركة لسحب التماثيل الشخصية من معارضها، خوفا على الموظفين من إيذاء "الإسلاميين"، ما اعتبره "طيور الظلام" انتصارا وعودة قوية إلى التأثير في الرأي العام وقيادة الشارع مثلما كانوا قبل فترة، وان "النصر المبين" بانتظارهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

حاول العامة وأهل الثقافة حث البلدية ووزير التجارة على استمرار عمل المتجر، لأن الألعاب المجسمة والتماثيل الجميلة تملأ الكويت، وهي حسب منطق الإسلاميين "أصنام" ولم يعبدها أحد، لكن ذهبت صرخاتهم أدراج الرياح!.

المشكلة الحقيقية في معركة "أصنام الكويت"، ليست خشية "الشرك" وتحول الشعب إلى الوثنية مثل أيام "اللات والعزى ومناة"، لأن حتى الإسلاميين أنفسهم يسافرون مع أسرهم إلى العالم كله، ويلتقطون الصور التذكارية مع تماثيل الشمع للمشاهير في المتاحف وتماثيل الحضارات القديمة، بل المشكلة في "الإرهاب الديني ومصادرة الحريات وفرض واقع متشدد". 

خصوصا أن توقف عمل معرض المجسمات، تزامن مع الإعلان عن توجه لمنع حصص الموسيقى في المدارس، ورفض الرقابة إجازة نحو 4000 كتاب، فإلى أين يأخذ المتشددين الكويت، وهي التي كانت قبلة وملاذ المثقفين والكتاب والمبدعين منذ ستينات القرن الماضي باعتبارها واحة الحرية والإبداع والفن والثقافة في الخليج العربي؟!
Advertisements
الجريدة الرسمية