رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«يوم الدين» يعرض الواقع المصري من منظور أوروبي


فيلم "يوم الدين" للمؤلف والمخرج أبو بكر شوقي وبطولة راضي جمال وأحمد عبد الحفيظ، الذي عرض مؤخرا في مهرجان الجونة ويمثل مصر في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية، وحصل على جائزة أفضل فيلم يعبر عن القيم الإنسانية، وذلك على هامش فعاليات مهرجان كان السينمائي.


الفيلم يحكي عن "بشاي" وهو رجل تعافى من مرض الجذام، وطيلة حياته لم يخرج من مستعمرة مرضى الجذام، التي كان يعيش بها منذ أن كان طفلًا، وبعد وفاة زوجته، يقرر أن يذهب في رحلة للبحث عن جذوره بصحبة ممتلكاته الهزيلة على ظهر عربة يجرها حمار وبصحبة الطفل اليتيم "أوباما"، يسافران عبر مصر ويواجهون العالم بأحزانه، وصعوباته ولحظات النعمة، في رحلة البحث عن العائلة والانتماء وقليل من الإنسانية.

قدم الفيلم المهمشين في المجتمع المصري ولم يستطع أن يجمل الحقيقة وكان من الأفضل أن يقدم الفيلم كفيلم وثائقي أكثر منه روائي..

الفيلم يتميز بالسهل الممتنع في أسلوب الإخراج حيث إنه يقدم لنا أعقد المشكلات في الشرق الأوسط بشكل بسيط يتمثل في الصراع الداخلي للبطل بين الحياة التي يريد أن يتواكب معها وحياته الطبيعية في مستعمرة الجذام، وبين الاتجاهات الدينية المتشددة في المجتمع، التي تحاول أن تتناول الدين بشكل مغلوط، ولا تسعى لإيجاد توازن بين الدين والدنيا، ولا تحاول أن تفهم الدين على حقيقته، وبين التخلف والفقر الذي يعيشه المجتمع الريفي..

فقدم هذا المشهد بشكل ساخر وضعيف حينما نزل النيل للاستحمام برفقة "أوباما" وظهر في المشهد استحمام مجموعة من الجواميس وقيام بعض النساء بغسل الأواني داخل النيل أيضا، أما المشهد الآخر الذي قام فيه "بشاي" بحمل "أوباما" الطفل الصغير إلى المستوصف بعد أن فتحت رأسة من عربة الكارو وهناك تم القبض عليه "تحري"..

وفي القسم التقى أحد الإسلاميين المتشددين، وأثناء ترحليهم من القسم إلى غرفة الحجز يطلب الإسلامي مصحفه وأنه لن يتحرك من مكانه إلا ومعه المصحف فعاد العسكري إلى داخل القسم لإحضار المصحف، فجري الاثنان للهروب وذهبا إلى مكان المتشددين الذين قاموا بفك الكلبش وبسؤال "بشاي" عن اسمه قال لهم اسمي "محمد" ثم يعود "بشاي" إلى العربة الكارو فيجد "أوباما" هناك ويستكملان رحلتهما للبحث عن عائلة "بشاي"..

فقد قدم المخرج لنا هذا العمل ببساطة من خلال الأسلوب الرمزي في العمل، حيث تجسدت كل معالم الثقافة الغربية والميل تقديم النموذج الإنساني، مع كشف العديد من السلبيات التي يعيشها المجتمع المصري من طبقة المهمشين، فأراد المخرج أن يقدم من كل بستان وردة..

هذا ما قدمه لنا المخرج في شكل واضح وبسيط، لأن ذلك هو المفهوم لديه ولا يحتاج إلى تعقيدات أو شرح.. فهو فيلم يصل مضمونه بمنتهى البساطة، كما قام المخرج باستخدام نظام الفلاش باك بأسلوب سلس ليقدم لنا مسار حياة "بشاي" في رحلة العودة إلى المستعمرة، ويعرض لنا بوضوح التناقض الداخلي والصراع الذي يدور في أعماق البطل، ويعبر عن طائفة من المصابين بهذا المرض.

ويتمتع الفيلم أيضا بصورة عالية الجودة وتناسق في الألوان وتناغم يجذب المشاهد ويجعله يتوحد مع البطل ويشعر بصراعه الداخلي ومعاناته.

ونجد الحوار في الفيلم بسيطا ويحمل معاني عميقة استخدم فيها الكلمات المتداولة على الألسنة والمواضيع المطروحة على الساحة.

لكن... يؤخذ على الفيلم تقديمه لصورة نمطية ضعيفة مستخدمة تكرارا ومرورا متمثلة في المهمشين بالمجتمع والمنبوذين، وأيضا القوة الدينية المتشددة وانسياق الشباب وراءها بلا تفكير، فهذا الشكل وهذا الانقياد لتلك القوى التي تتعمد تجهيل الدين لم يعد الشكل الذي نعاني منه في مجتمعنا الآن..

لعل الأنماط المطروحة الآن أشد قسوة وضراوة من الانقياد الساذج لهذه القوى.. لقد أصبحنا نعاني النقيضين.. وحينما يصل إلى عائلته ويكتشف حكمة والده من أنه تركه في المستعمرة وهو طفل صغير من أجل منحه فرصة أخرى للحياة بعد أن أصبح منبوذًا من الجميع، فتكونت قناعات خاصة لدى "بشاي" وتبلور لديه هذا المفهوم ويقرر العودة إلى المستعمرة بصحبة "أوباما".

وإن كنّا نتمنى أن يتناول الفيلم الصراع الحقيقي الذي يعيشه مرضى الجذام بطريقة أكثر عمقا وموضوعية لكن الفيلم ككل يؤكد على قدرته على التواصل والتعبير عن هذه الفئة.

أما الأداء التمثيلي فكان مقنعًا خاصة مع الاختيار الموفق لفريق العمل، ويؤكد على وعي المخرج في اختيار الطفل "أوباما" لكني أود أن أتوقف عند "راضي جمال" الذي استطاع أن يقدم الكوميديا السوداء من خلال معاناته بشكل بارع.
Advertisements
الجريدة الرسمية