رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أهل الحقائق والمعاني


عندما يستقيم العبد على منهج الله تعالى وشريعته الغراء ويتبع هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله، ويجاهد نفسه ويخالف هواها ويعمل على تزكيتها يرتقي من إيمان الغيب إلى إيمان الشهود.. بمعنى أن الأصل في الإيمان تعلقه بأمر غيبي كما جاء في قوله عزوجل: "الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)".


هذا هو الأصل في الإيمان.. الإيمان بالغيب.. الإيمان بوجود الله تعالى ووحدانيته سبحانه، فنحن لم نراه سبحانه لكننا رأينا آياته في عوالم الخلق الدالة على وجوده وعظمته وتفرده..

رأينا مظاهر القدرة التي أوجدت كل شيء.. رأينا مظاهر الإبداع الإلهي في كل شيء.. رأينا مظاهر العظمة الإلهية وقيموميتها وإدارتها للكون بإحكام وإتقان.

هذا وقد آمنا بالملائكة ولم نراها.. وآمنا بالكتب والرسالات السماوية وبالرسل الكرام عليهم السلام بدءًا من أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام وانتهاء بالنبي الخاتم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ولم نراهم، آمنا بالبعث بعد الموت والنشور في يوم القيامة وهو اليوم الآخر.. وآمنا بالقضاء والقدر.. كل ذلك إيمان بالغيب.

نعود إلى ما بدأت به المقال، فعندما يستقيم العبد ويلتزم بتعاليم المنهج القويم ويجتهد في أعمال العبادات والطاعات والنوافل يفتح الله تعالى على قلبه ويقيمه في مقام الوصل به سبحانه، ويمنحه على أثر ذلك الحكمة والفهم الرباني وأنوار وعلوم ومعارف وأسرار وينير له عين البصيرة، فيرى ما لا يرى، ويعلم ما لا يعلمه عامة الناس، ويسمع ما لا يسمع، وتأتيه وفود من الملائكة الكرام فيراهم بعين قلبه أي بعين بصيرته..

تأتيه برسائل من الله تعالى تحمل لهم البشرى والبشارة منه سبحانه بولايته عزوجل لهم ودخولهم في حصنه تعالى.. يقول عز وجل إشارة وتأكيدا إلى ذلك.. (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).

هذا وعلى أثر ذلك يقام في دائرة أهل ولاية الله تعالى ويفتح له بما يسمى بالفتح الرباني.. وهو عبارة عن إشراقات وتجليات من الله عز وجل بأنوار الأسماء.. والصفات المنسوبة إليه سبحانه وهي جامعة للأنوار والعلوم والمعارف والأسرار والمعاني والحقائق والرقائق واللطائف..

فينطق لسانه بعلوم الحقائق والمعاني والحكمة ويفهم المعنى والمراد الإلهي في خطابه عز وجل في قرآنه، وكذلك يفهم أيضا المعاني المكنونة في قول النبي وحديثه الشريف صلى الله عليه وسلم وتأكيدا لذلك أننا نسمع معاني في قول الله تعالى ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام من العارفين بالله أصحاب الفتح والفهم الرباني ما لا نسمعه من غيرهم من أهل العلم والمثقفين.

وفي حكاية عن العارف بالله سيدي على الخواص شيخ سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنهما، أن أحد المريدين سأله يوما بقوله: يا شيخنا نسمع منك ما لا نسمعه من علماء الظاهر وإذا جلسنا بين يديك ننسى أنفسنا وأهلينا.. فأجابه رضي الله عنه قائلا.. لقد أخذ علماء الظاهر علمهم من فلان عن فلان من ميت عن ميت ونحن بفضل الله تعالى قد أخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت سبحانه.

وانظر في قوله تعالى: "وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا".. هذا وأهل الله هم أهل الحقيقة والمعنى.. هذا وعلى رأس العارفون بالله الذين تحدثوا بلسان أهل المعرفة سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو أول من فتق رتق المعاني وتحدث بها.. ثم يأتي من بعده حبر الأمة وهو سيدنا عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو الذي كان يناديه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالغواص..

أي بالذي يغوص في بحور المعاني ويستخرج منها اليواقيت والمرجان واللآلئ والدرر.. هذا وفي الختام أسأل الله تعالى أن يرزقنا الاستقامة وأن يقيمنا في الوصل وأن يفتح علينا فتوح العارفين.
Advertisements
الجريدة الرسمية