رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الصامدون والمنبطحون (١)


الشخص الصامد هو ذلك الذي لم ينكسر مهما كانت التحديات، ولم ينحنِ مهما كانت الإغراءات، هو عكس المنهزم أو المنبطح الذي ينام على بطنه ويهيم على وجهه أمام أول تحدٍ أو إغراء، السنوات السبع الأخيرة أفرزت النموذجين (الصامد والمنبطح)، وكان ذلك نتيجة طبيعية لأحداث يناير ذات التداعيات المستمرة حتى الآن، ثم ثورة يونيو، وبينهما فترة حكم جماعة الإخوان.


ما زالت عمليات الفرز مستمرة، ووَاهم من يعتقد أن قوائم (الصامدين والمنبطحين) قد تبلورت، فهناك العديد من الملفات التي لم تفتح بعد، ربما تضيف إلى قائمة (المنبطحين) أسماء جديدة، لكن المؤكد أن قائمة (الصامدين) اقتربت من التبلور، أو تصدرتها أسماء لم يختلف على ثباتها اثنان، لذلك أصبحت الإشارة إليها واجبة.

ويأتي التباين بين الصامد والمنبطح ليزيدنا إعجابًا بالأول والتفافًا حول آرائه.. وتقززًا من الثاني ونفورًا من مجرد رؤيته أو آرائه.

ومن الأسماء التي لا يختلف اثنان على صمودها الراحل "عبد الله كمال" الذي قدم نموذجًا مبهرًا في التحدي وعدم الرضوخ لابتزاز أو تهديد، ظل ثابتًا ومن حوله يتلونون وفقًا لمصالحهم الشخصية..

فقد أدرك الرجل منذ البداية أن ما يطلقون عليه ربيعًا عربيًا ما هو إلا خريفًا للمنطقة ما زلنا نعاني آثاره، ولعل الذين تصدى لهم "عبد الله كمال" من خلال كتاباته عن التمويل الخارجي للمنظمات وبعض وسائل الإعلام الخاص هم من تحمسوا لأحداث يناير، والتفوا حول رموزها القابع بعضهم في السجون حتى الآن.

عاش "عبد الله كمال" بعد أحداث يناير ثلاث سنوات ونصف السنة، لم يضبط مرة واحدة متغيرًا أو متلونًا، ظل صامدًا، لم تهزه هتافات ضده من أشخاص صَنعهم، ولم ترهبه مطالبات برحيله من آخرين احتواهم ووضعهم على بداية الطريق، حتى اللوم لم يوجهه لهم، وتدور الأيام فنرى بعض من طالبوا برحيله يقبعون في السجون بتهم مختلفة في مقدمتها الرشوة، ولو كان الرجل حيًا لوقف بجانب أسرهم كما فعل من قبل.

لم تربطني علاقة صداقة بـ"عبد الله كمال"، ولم أعمل معه، واقتصر التعامل على جلسات تجمعني به كلما حل ضيفًا على برنامج كنت أترأس تحريره، لكن أصدقاء مشتركين طالما تحدثوا عن جوانب إنسانية كان يتحلى بها، وعن مواقف لن ينساها كل من عملوا معه، أما شهادة الراحل "محمود عوض" فيه فكانت تكفي لاحترامه حتى لو اختلفت معه سياسيا.

ربما يعتقد البعض أنه لا مناسبة للحديث عن "عبد الله كمال"، لكني أرى أن الحديث عنه تجدده آثار أحداث يناير، واستمرار من تكسبوا منها في صدارة المشهد، كما يجدده عمليات التحديث التي تطرأ على قائمة المنبطحين الذين تلونت مواقفهم وآرائهم مع كل مرحلة، بداية من يناير حتى الآن.

يقفز اسم "عبد الله كمال" أمام عيني كلما شاهدت هؤلاء الذين نافقوا وتملقوا وتاجروا بالوطن، وكان آخرهم هذا الشخص الذي تصدر قائمة المنبطحين، هتف باسم مبارك وماما سوزان عندما كان يحبو على عتبات النفاق الذي فطم عليه، ثم هتف ضده عندما سقط نظامه، ثم جالس المجلس العسكري واقترب من أعضائه، وفي سرية كان يقترب من جماعة الإخوان بالتزامن، ليعمل مستشارًا لها بعد وصولها للحكم، ثم تحول إلى بوق لها، يفرضه خيرت الشاطر على قنوات وصحف بعينها..

هذا الشخص قفز من مركب الإخوان بعد ثورة يونيو، والغريب أنه استمر في صدارة المشهد الإعلامي حتى وقت قريب، عمل في كل مجالات الإعلام، في الإذاعة والصحافة الورقية والتليفزيون، وهجر عمله الرئيسي وهو التدريس في الجامعة، ومؤخرًا.. رأيته ينتقد الأوضاع، ويهاجم من تسببوا في تدني المشهد الإعلامي، ولو استمر هذا الشخص مذيعًا وكاتبًا لاستمر انبطاحه ليس للنظام.. لكن لمن يشم في جيبه رائحة البنكنوت.

نعم.. سيظل الحديث عن "عبد الله كمال" مستمرًا باستمرار هؤلاء، هو رمز للصمود، وهم للانبطاح.. "عبد الله كمال" مات واقفًا، وهؤلاء يموتون منبطحين، هو مات ليحيا، أما هم فيهال عليهم التراب أحياء، هو مات موجوعًا بالوطن.. وهم عاشوا أمواتًا لأنهم أوجعوا الوطن.
basher_hassan@hotmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية