رئيس التحرير
عصام كامل

قراءات في الهجرة النبوية


تمضي الأيام وتمر السنين على ذكرى الهجرة النبوية المباركة، ومع كل مناسبة يتحدث المتحدثون ويتكلم المتكلمون من أهل العلم والفكر وكل له قراءاته في أحداثها ومواقفها، إلا أنه لم تنته بعد القراءات في فحواها لعظم المعاني في المواقف والأحداث، فقد حملت تلك الرحلة المباركة بين طياتها الكثير والكثير من المعاني الخلقية السامية في البطولات والفداء والتضحية والبذل والإيثار والتضحية، ولا شك أن الأصل في ذلك كله الحب بمعناه الحقيقي الخالص لله تعالى وللرسول الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام.


هذا ومن القراءات في أحداث الهجرة المباركة.. عناية الله تعالى برسوله وحبيبه وحفظه له وقد تجلى ذلك في إخبار الأمين جبريل عليه السلام له صلى الله عليه وسلم بمؤامرة مشركي قريش على قتله والتخلص منه، وإبلاغه بأمر ربه تعالى بعدم المبيت في فراشه هذا أولا.

ثانيا. عند خروجه وفتية قريش متربصين به وفي انتظاره أمام باب بيته بسيوفهم المسمومة ونيتهم لقتله. فيأمر عليه الصلاة والسلام بأخذ حفنة من التراب وإلقائها على وجوههم وهو يقول.. شاهت الوجوه.. أي عميت.. ويقرأ قوله تعالى.. وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون... فتعمى الأبصار ويمر النبي الكريم من بينهم سالما غانما.

لا شك في أنها عناية الله برسوله.. هذا ويتجلى مدى أمانة النبي الصادق الأمين وذلك من خلاله استخلافه لسيدنا الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه له في المبيت بفراشه لتعمية القوم، ولرد الأمانات التي كانت عنده، والتي كانت تخص من تآمروا على قتله.. أي أمانة هذه.. ويتجلى لنا أيضا مدى صبر وتحمل الرسول الكريم للابتلاءات والمكارم ومشقة السفر لإبلاغ رسالة ربه تعالى وأداء أمانتها.

هذا ولا ينسى لفتى الفتيان الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه فدائيته وتقديمه لروحه فداء للحبيب صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال مبيته في فراش الرسول الكريم وهو يعلم أن هناك أربعين شابا بسيوفهم المسمومة سوف ينقضون عليه ويضربونه ضربة رجل واحد، فينام في فراش الحبيب حبا وطواعية وبرضاء نفس، وكان بذلك مستحقا أن يكنى بالفدائي الأول في الإسلام. 

هذا وإذا نظرنا إلى الدافع للإمام في أن يقدم هذه التضحية وأن يقدم ويضحي بأعز ما لدى الإنسان وهي روحه وحياته نجد أن الدافع هو الحب. نعم الحب، حب الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام.

هذا وأما عند مواقف سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فهي مواقف كلها حب وعطاء وإيثار وبذل وتضحية، وقد تجلى ذلك من بدء الرسالة إلى أن توفاه الله تعالى راضيا عنه، وقد كان لصدقه في محبة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وعطائه وبذله الفضل في أن يحظى بصحبة الحبيب ومرافقته في رحلة الهجرة.

هذا ولحب النبي الكريم له عليه الصلاة والسلام لم يأذن له بالهجرة في بداية الأمر حينما أمر المسلمون بالهجرة إلى المدينة المنورة، والتي كانت تسمى بيثرب قبلها، وقال له يوم أن استأذنه في أن يهاجر.. انتظر لعل الله يجعل لك صاحبا.. ولما جاء الأمر من الله عز وجل للرسول بالهجرة. ذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيت صاحبه.

وأبلغه بأمر الله تعالى هنا صرخ الصديق فرحا قائلا... الصحبة الصحبة يارسول الله.. وقد حظى بها ونالها، ويالها من صحبة، قال عنها الفاروق سيدنا عمر رضي الله عنه لصحابة دخل عليهم وهم يتذاكرون في مناقبه وفضائله. قال: خذوا كل أعمالي وأعطوني ليلة الغار وصحبة الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجريدة الرسمية