رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الحكمة في ترتيب الأركان


انظر معي عزيزي القارئ وأخي الكريم في دقة الرسول الكريم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام وهو يشير إلى أركان وقواعد الإسلام والأسس التي يقام عليها، وأمعن النظر فيها حتى تدرك الحكمة النبوية في هذا الترتيب الدقيق والمتقن والمحكم، وسنلاحظ أن كل ركن يؤهل إلى الركن الذي يليه، وأنه لا يصح الترتيب إلا بما رتبه وذكره الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام..


ولنبدأ بذكر الحديث النبوي الشريف المشير إلى أركان الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: "بني الإسلام على خمس.. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا"..

الركن الأول وهو ما يتعلق بالعقيدة، الإيمان بوجود الله تعالى ووحدانيته سبحانه والإيمان بالرسول الكريم وتصديقه، وإذا قيل لماذا كان هذا الركن هو أول الأركان وأساسها، نقول لأنه هو الركن المتعلق بالعقيدة وهي الأساس في العبادات والتكليف، بمعنى أن من لا يؤمن بالله والرسول غير مطالب بالعبادات وغير مكلف ولا مأمور بها؛ فالأمر والنهي والتكليف لأهل الإعتقاد والإيمان لا لغيرهم..

من هنا ندرك أن على أثر هذا الركن تقام باقي الأركان وكلها متعلقة بالعبادات والتكاليف الشرعية.. ثم يأتي الركن الثاني وهو إقام الصلاة، ونسأل لماذا جاء هذا الركن مباشرة بعد الركن الأول المتعلق بالعقيدة والإيمان، الإجابة ببساطة، أن المنطق والوضع الطبيعي أن الإله الذي آمنت به واعتقدت في وجوده غيبا لا بدَّ لك من الوصل والاتصال به سبحانه والتعرف عليه والتقرب منه.

وهذا الوصل يتحقق بإقامة الصلاة، ومعنى الصلاة هو الوصل والاتصال بالله تعالى ومنه يفتح للعبد بابا المعرفة به والقرب منه سبحانه وتعالى.. ثم يأتي الركن الثالث وهو إيتاء الزكاة، وهو ما يثمر تزكية النفس وتخليصها من الشح والبخل والأنانية وحب النفس ويرقى بها إلى حب الخير والإحساس بحاجة الآخرين ومشاركتهم في النعم التي أنعم الله تعالى بها عليك..

هذا ويكمن فيها تزكية النفس وتطهيرها حتى تؤهل إلى السمو والارتقاء من عالم المادة إلى عالم الملكوت، ومن هنا يهيأ العبد إلى إقامة الركن الرابع من أركان الإسلام وهو الصوم، والذي معناه ترويض النفس والتسامي بالروح عن عالم الأرض والمادة والتشبه بأهل العوالم العلوية والملكوتية وهم الملائكة عليهم السلام..

ثم على أثر هذا السمو والارتقاء الروحي يؤهل العبد لإقامة الركن الخامس إذا توافرت شروط الاستطاعة، وهو حج بيت الله والوقوف بعرفة.. والحج معناه قصد بيت الله تعالى وزيارته والوقوف بعرفات بعد التجرد الكامل من حب الدنيا ومن كل العلائق والأغيار وطرح الدنيا من وراء الظهر، وإسقاط حبها من القلب، والخروج من الأهل والوطن والعادات ومن زينة الدنيا والإقبال على الله تعالى بقلب سليم لا محل فيه سوى محبة الله عز وجل..

ومن معاني الحج أيضا تلبية نداء الله واستجابة دعوته بعد التجرد الكامل مما سواه سبحانه.. وأعتقد أن كل ركن من الأركان يؤهل العبد لإقامة الركن الذي يليه فالركن الأول يؤهل للوصل والاتصال أي إلى الركن الثاني وإقامة الركن الثاني يؤهل إلى تزكية النفس وتطهيرها، وهو يتحقق بإقامة الركن الثالث وهو الزكاة..

ثم يتأهل العبد إلى الركن الرابع وهو كما أشرنا بإقامته يسمو العبد عن عالم المادة ويرقى إلى عالم الروح والملكوت وهذا يؤهله ويعطيه القدرة على أن يخلع ويتجرد ويسقط العلائق وحب الدنيا من قلبه ويؤهله إلى الإقبال على الله تعالى كيوم لقائه سبحانه في الآخرة متجردا لا حول له ولا قوة..

لا مكان في القلب لغير محبة الله ولا تعلق بغيره تعالى.. عزيزي القارئ هذه رؤيتي المتواضعة فيما يتعلق بترتيب أركان الإسلام الخمس.. وصدق سبحانه إذ قال في حق حبيبه صلى الله عليه وسلم: "وما ينطق عن الهوى".
Advertisements
الجريدة الرسمية