رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

النفس البشرية


في استضافة كريمة من الإذاعية المتألقة الصديقة العزيزة أميرة سليمان في فترتها المفتوحة بإذاعية القاهرة الكبرى الليلة الماضية، التي امتدت لمدة ساعتين، تخللهما حديث عن أوصاف النفس البشرية، وكيفية تزكيتها والوصول بها إلى صفة المطمئنة والراضية والمرضية، والوصول بها إلى حال الصفاء الكامل والسبيل إلى السعادة بمعناها الحقيقي.


وكان الحوار ممتعًا وشيقًا وإليك عزيزي القارئ بعض مما تحدثنا فيه.. تحدثنا في البداية عن تعريف النفس وأوصافها السبع التي جاءت في القرآن الكريم.. وقلنا: النفس البشرية هي ذات الإنسان ومحل الأنا، وهي أعلى مظهر في الإعجاز الإلهي في عالم الخلق، فهي الجامعة لكل الأضداد، القابلة لكل الأحوال في آن واحد، فهي الجامعة للخير والشر والنور والنار والخبيث والطيب والعدل والظلم والرحمة والشدة والقسوة..

وهي القابلة للسمو والارتقاء والرفعة والتفوق والأفضلية على الملائكة الكرام، وبنفس القدر قابلة للتدني والانحطاط تحت مستوى البهائم.. كالأنعام بل هم أضل سبيلا..

وإلى ذلك أشار الله تعالى بقوله: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".. هذا والنفس البشرية أودع الحق فيها من الأسرار ما لا تحيط به العقول والفهوم، وهي كما أشرنا نفس واحدة في كل إنسان ذات أوصاف سبع هي.. الأمارة.. كما جاء في قوله عز وجل على لسان سيدنا يوسف عليه السلام وقيل على لسان السيدة زُليخة امرأة العزيز: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي"..

ثم تأتي الصفة الثانية لها وهي اللوامة وهي المشار إليها في قوله عزوجل: "لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة".. وهي الصفة التي بين الأمارة بالسوء والمطمئنة، ولا شك أن هذه الصفة عظيمة لأن الله تعالى أقسم بها ومعلوم أن العظيم سبحانه لا يقسم إلا بعظيم، خاصة أن فيها يكون الضمير الإنساني حيا يقظا يعاتب ويؤنب ويلوم ويعاتب صاحبه على أعمال السوء والتقصير في عمل الخير..

ثم تأتي الصفة الثالثة وهي النفس الملهمة المشار إليها في قوله جل جلاله: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".. وفي هذه الصفة إشارة إلى أنها الجامعة للأضداد القابلة لكل الأحوال..

ثم يأتي بعذ ذلك صفة المطمئنة وهي النفس التي تم تزكيتها وتخليها من صفة الأمارة واللوامة وهي التي تحلت بالفضائل والمكارم والمحاسن بعدما تخلت عن القبح والرذائل، وهي نفس طيبة مزكاة ومخاطبة من خالقها وبارئها سبحانه وتعالى، وهي المؤهلة للمقام في مقام الرضا والرضوان..

وهي المقامة في أشرف مقام وهو مقام العبودية والممنوحة من الله عزوجل إذن الدخول في مقام العبودية والمقام في جنة الأنس به سبحانه.. يقول تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"..

هذا ولقد أشرت من خلال الآيات الكريمة إلى باقي أوصاف النفس وهي النفس الراضية والمرضية والكاملة التي أذن لها بالدخول في مقام العبودية. ذلك المقام الذي أثنى عليه الإمام على ومدحه بقوله: "كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا.. وكفى بي عزا أن تكون لي ربا.. أنت لي كما أحب فوفقني إلى ما تحب"..

هذا وأشرنا إلى أن النفس لا تتزكى إلا بالمجاهدة والمخالفة وجهاد النفس هو أعظم أنواع الجهاد وأعلى مراتبه، لقول الهادي البشير السراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك".. وقوله للصحابة رضي الله عنهم بعد رجوعهم من الجهاد بالسلاح من إحدى المعارك: "لقد رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس"..

هذا ويلزم لمجاهدة النفس مخالفة هواها وكسر شهواتها، ولا يتأتى ذلك إلا بمصاحبة الصالحين ومجانبة أهل الغفلة والمعاصي والجوع، لأنه يضعف الشهوة ويلجم هوى النفس.. والصمت وذلك لأنه يلقح الفكر ويدخل صاحبه في التفكر والتدبر والتأمل.. والسهر مع الاشتغال بذكر الله والقيام بين يديه تعالى..

هذا ولا بد من مصاحبة وملازمة رجل صالح عالم في الشريعة عارف بالحقيقة صاحب نور وبصيرة حتى يبصر الإنسان الساعي لتزكية نفسه بأمراضها وعللها، وإرشاده إلى الأدوية التي تطبب وتعالج بها النفس وهو المشار إليه في قوله تعالى: "الرحمن فاسأل به خبيرا""..

كان هذا حديثنا عن النفس البشرية بأوصافها والسبيل إلى تزكيته ثم تحدثنا عن السعادة بمفهومها الصحيح وقلنا إنها تتلخص في أربع هي.. سلامة الصدر وهدوء النفس واطمئنان القلب وراحة البال.. ولا وصول إليها إلا بالطاعة والاستقامة وكثرة ذكر الله تبارك وتعالى..
Advertisements
الجريدة الرسمية