رئيس التحرير
عصام كامل

النيابة الإدارية.. وقصتها مع الثورات


كشفت ثورة 23 يوليو 1952 عن أهمية وجود جهاز يتولى إرساء مبادئ العدالة ومحاسبة المفسدين في نطاق الوظيفة العامة من جانب وتوفير الضمانات وحماية الموظف العام من جانب آخر، فكانت فكرة إنشاء النيابة الإدارية التي تطور دورها وواجهت في السنوات الســـــابقة على ثورة 25 يناير 2011 فسادًا ممنهجًا، ورغم ذلك نهضت للقيام بالدور الذي فرضه عليها الدستور والقانون من ناحية والواقع من ناحية أخرى.


لا يقتصر دور النيابة الإدارية على مباشرة التحقيق في المخالفات المالية والإدارية، بل يمتد لتحديد أوجه القصور والخلل الذي أدى إلى حدوث هذه المخالفات وتقديم الحلول القانونية والعملية الكفيلة بعلاج هذا الخلل، مع تقديم المقترحات التي ترسم الطريق لمجتمع وظيفي يحقق آمال الشعب وطموحاته واحتياجاته، وعلى ضوء ذلك تُصدر النيابة الإدارية في بعض القضايا توصيات بما تراه لازما لإصلاح ما كشفت عنه التحقيقات من قصور في نصوص بعض القوانين أو اللوائح أو التعليمات الإدارية، كي يكتمل دورها في إرساء مبادئ العدالة في المجتمع الوظيفي ومحاسبة الفاسدين والمفسدين.

وحرصا من النيابة الإدارية على المال العام، والحد من الاعتداء عليه، فيما تباشره وتختص بإجرائه من تحقيقات، فهي تعيد للخزانة العامة الأموال العامة التي يتم اختلاسها أو الاستيلاء عليها، وجبر الضرر، وذلك بتحميل الموظف المتسبب قيمة الأضرار التي تحملتها الخزانة العامة نظرًا لأن تحقيقاتها، قضائية، تحكمها الضوابط المقررة بالنسبة للشهود وأعمال الخبرة والمعاينة وتحقيق وقائع التزييف والتزوير المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، وغيرها من الوقائع التي تمس المسلك العام للموظف خارج النطاق الوظيفي، التي يكون من شأنها التأثير سلبا على الوظيفة العامةً، كما تشمل جميع أوجه الفساد والانحراف المالي والإداري والأخلاقي للموظف العام وهو ما يميزها عن غيرها من الجهات والهيئات القضائية الأخرى سواء كان ذلك أثناء مباشرة الموظف لوظيفته أو خارج نطاقها.

ويأتي في مقدمة اهتمامات النيابة الإدارية، التيسير على جمهور المواطنين في الحصول على خدمات الجهات الحكومية، وذلك بوضع القواعد والحلول التي تضمن تتبع الإجراءات الإدارية، وسرعة أدائها للجمهور كما لا تقتصر التحقيقات على تحقيق الوقائع محل البلاغ أو الشكوى الأصلية بل تتصدى لجميع المخالفات التي قد تكشف عنها التحقيقات، وللوصول إلى العدالة المنشودة منح المشرع النيابة الإدارية بعض الصلاحيات التي تتمثل في إصدار الأمر بضبط الشاهد وإحضاره في الحالات المقررة قانونًا وتفتيش أشخاص ومنازل الموظفين المنسوب إليهم ارتكاب مخالفة مالية وإدارية حال توافر المبرر القانوني لذلك وبالضمانات التي حددها القانون.

قضايا النيابة الإدارية في الغالب الأعم منها قضايا مستندية تتعلق بقوانين ولوائح مالية ومخزنيه وإجراءات إدارية بالغة التعقيد ومن ثم فإن استظهار وجه الحقيقة في هذه القضايا تحتاج إلى خبرة خاصة اكتسبها أعضاء النيابة الإدارية من خلال تمرسهم على التحقيق في سائر المخالفات المالية والإدارية التي يرتكبها العاملون بالجهاز الحكومي، وتفاديا للمَثالب والعقبات القانونية التي تحول أحيانا، دون أداء النيابة الإدارية، لرسالتها على الوجه الأكمل، فإننا نقترح أن يصدر القانون الجديد متضمنًا توسيع اختصاص النيابة الإدارية ليشمل جميع الجهات والمرافق العامة الإدارية ما دامت خاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ودون أن يتوقف ذلك على إذن أو طلب إلا في الحالات التي ينص فيها القانون على ذلك.

ومن الملائم الآن توسيع اختصاص النيابة الإدارية للتحقيق مع سائر العاملين الذين ارتكبوا مخالفات مرتبطة تفاديًا لتعدد جهات التحقيق وما ترتب عليه ذلك من تباين في القرارات التأديبية تأباه العدالة، مع منح النيابة الإدارية الاختصاص بإقامة الدعوى التأديبية ومباشرتها أمام مجالس التأديب بشأن العاملين الذين ينظم شئونهم قوانين خاصة وكانت النيابة الإدارية هي من أجرت التحقيق الذي بناء عليه تمت الإحالة إلى مجلس التأديب.. وللحـديـث بـقـيـة.
الجريدة الرسمية