رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ صديق محمود المنشاوي: جدي وهب أبناءه للقرآن.. وعمي اختير قارئا للرئاسة

فيتو



  • أغلب أطفال وشباب أسرتي انتهوا من ختم القرآن
  •  جدي الأكبر حصل على "مليم أحمر" من أحد الأعيان.. ورفض الحصول على "جنيه دهب" نظير أجره
  •  لم اقتنع بقصة تسميم عمي لأنها من الأساطير التي روجها الناس حبا فيه
  •  ليس لدى معلومة عن رفضه القراءة أمام عبدالناصر


في مصرَ عائلاتٌ قرآنية، أبدعَ أبناؤها في حفظِ كتابِ اللهِ وتلاوتهِ، تفانَوا في خدمةِ القرآن الكريم فرفعَهم اللهُ مكانًا عليًَّا، وخلَّد ذكرَهم، وأبقى سيرتَهم عطرة بعدَ رحيلهم. تتصدرُ تلكَ العائلاتِ القرآنيةَ: عائلةُ "المنشاوى" الموصوفةُ بـ "بيتِ القرآن"، فمنْ تلكَ العائلةُ، خرج الشيخُ "صديق المنشاوى"، الذي أنعمَ اللهُ عليهِ بولدينِ هما: الشيخُ "محمد صديق المنشاوى"، الذي لا يجاريهِ أحدٌ في موهبتِه وخشوعِه وحسنِ تلاوتِه. ورغمَ مرورِ نحوِ نصفِ قرنٍ من الزمانِ على وفاتِه فإن تسجيلات "محمد صديق المنشاوى" تُذاعُ على مدارِ الساعةِ في الإذاعةِ المصريةِ والفضائياتِ القرآنيةِ، والشيخ "محمود صديق المنشاوى"، الذي كانَ ولا يزالُ – شفاهُ اللهُ- خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ، كما أنبتَه اللهُ نباتًا حسنًا هو: القارئُ الشابُّ "صديق المنشاوى" الذي يحملُ بدورِه رايةَ العائلةِ المنشاويةِ.

ذرية بعضها من بعض، عائلة كريمة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهبت أبناءها لحفظ القرآن الكريم وتلاوته، آناء الليل وأطراف النهار، الجد الأكبر كان من كبار القراء، وسار على دربه الأبناء والأحفاد، فعلى مدى قرن من الزمان أنجبت عائلة المنشاوي كبار القراء في دولة التلاوة المصرية، بداية من الجد الأكبر تايب المنشاوي الذي كان سببا بعد الله عز وجل في تحفيظ القرآن لأبنائه الثلاثة "صديق والسيد وأحمد".

تفرد الشيخ صديق المنشاوي في محافظات الصعيد، وصدح بصوته أول مرة في محافظة سوهاج، تلك المحافظة التي نشأ وتربى وتعلم فيها، وبات القرآن كل حياته، فوضع له الله القبول بين الناس، وأصبح الجمهور يأتي من كل فج وصوب، للاستماع إلى صوته العذب، وما أن سمعت الإذاعة بذلك الصوت حتى انتقلت على الفور لتسجيل صوته وبثه في أرجاء المعمورة وخارجها، ليصل صوته إلى ملايين البيوت.

أنجب الشيخ صديق من الأبناء ثلاثة هم "محمد ومحمود وأحمد" فكان الأول هو الثمرة الطيبة لتلك العائلة، ذاع صيته في جميع أنحاء الجمهورية معلما وقارئا، وهب كل حياته للقرآن الكريم حتى في وقت إصابته بدوالي المرئ حينما نصحه الأطباء بعدم الإجهاد وخاصة الحنجرة لكنه أصر على الاستمرار في التلاوة بصوت مرتفع حتى توفي في عام 1969، ليرفع الراية من بعد أخيه الشيخ محمود المنشاوي الذي اعتمد في الإذاعة بعد 6 أشهر من وفاة أخيه، ثم أنجب آخر ثمرة في دولة التلاوة الشيخ صديق محمود المنشاوي الذي أسماه على جده تيمنا به ليكون امتدادا لتلك العائلة القرآنية.

"فيتو" حاورت الحفيد صديق، وروى لها ما تيسر من سيرة العائلة، ولماذا ارتبط اسمها بالقرآن، وكيف كان جده حريصا على تعليم أعمامه أحكام تلاوة كتاب الله.. وإلى نص الحوار:

كيف بدأت عائلة المنشاوي رحلتها مع القرآن؟
البيت عندنا ولله الحمد اشتهر ببيت القرآن، لأن الجد الكبير الشيخ "تايب المنشاوي" كان من أهل القرآن، وأنجب الجد الشيخ السيد، وكان قارئا كبيرا أنجب الشيخ صديق - وهو علم من القراء الكبار- الشيخ محمد صديق ومحمود وأحمد واستمر النسل من الأبناء يتوارث حفظ وتلاوة القرآن الكريم حتى وصل إلى العبد الفقير الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي، "ودي حاجة من عند ربنا" هو من اختار تلك العائلة لكي تحفظ كتاب الله.

ومتى بدأت شهرة العائلة تنتشر؟
بدأت الشهرة مع بداية الشيخ صديق المنشاوي، فهو بداية شهرة تلك العائلة التي كانت شهرة داخلية في محافظات الصعيد، وحينما سافر إلى بعض الدول العربية لم يكن محظوظا بالقدر الكافي، وحينما أنجب الشيخ محمد ومن حبه لأبيه لحب الناس له أحب هذا الكرسي الذي كان يجلس عليه والده، فحفظ القرآن الكريم قبل أن يتم 10 سنوات، وكان يذهب مع والده إلى المحافل والليالي، ويقرأ ما تسير من القرآن إلى أن ألحقه بأحد الكتاتيب، وأوصى عليه أحد المشايخ الكبار، وتولاه في مسألة الحفظ والترتيل والقراءات وما إلى ذلك، وحصل على القراءات السبع والعشرة، وذهب بعد ذلك إلى القاهرة، وذاع صيته بشكل واسع جدا، وبدأت تطلبه معظم البلاد العربية، وهو القارئ الوحيد على مستوى كل القراء الذي انتقلت له الإذاعة المصرية في أمسيات آل حزين في إسنا.

ولماذا كانت تأتي الإذاعة خصيصا لنقل تلك الأمسيات؟
نظرا للجماهيرية الكبيرة التي كان يحظى بها الشيخ صديق المنشاوي، فكان الصيت في ذلك التوقيت يقول إن هناك قارئا في سوهاج لا مثيل له يقرأ في مركز إسنا بدوار آل حزين، وكانوا من الباشاوات، وعندما طلبته الإذاعة للتسجيل رفض وقال "هبقى أنا وابني موجودين كفاية محمد" فكان عنده زهد رهيب، فهو من الناس التي كانت تزهد في الحياة حتى في الأجر".

ما قصة المليم الأحمر الذي حصل عليه الجد من أحد الإقطاعيين؟
في أحد الأيام طلبه أحد الرجال الإقطاعيين أو من نطلق عليهم الباشوات للقراءة في حفلة بمنزله، وبعد الانتهاء منها قدم له العشاء وأعطى له الفلوس، واكتشف الباشا أنه أعطى له مليما أحمر بدل الجنيه الذهب، لأنه رجل من الذوات، ولا يصح أن يعطي له أقل من ذلك، فأرسل أحد الخدم لجدي ليعطي له الجنيه الذهب، فقال له: "أنا خلاص أخذت رزقي واللي ربنا كتبه لي" وكانت مكتبة الشيخ صديق تحتوي على آلاف الكتب، وكان نصف الذي يحصل عليه يشتري به كتب ومجلدات في علوم التفسير والقرآن والقراءات، وما زالت هذه المكتبة موجودة حتى تلك اللحظة، وتشتمل على أمهات الكتب وتفسير القرطبي وابن كثير والطبراني، وكل ما هو متعلق بالتفسير والقرآن والدين والتوحيد، وهي تعتبر في عهدتي وأنا ولله الحمد أحافظ عليها.


وماذا عن قصة دخول الشيخ محمد للإذاعة بعد رفض والده الشيخ صديق؟
بعد أن رفض الشيخ صديق الدخول للإذاعة، طلبت الإذاعة ابنه الشيخ محمد صديق المنشاوي، واستجاب لها، وسجل في القاهرة وذاع صيته في البلاد العربية والأجنبية، ووقع عليه الاختيار ليكون قارئ الجمهورية العربية المتحدة أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، وقرأ الجمعة الأولى في القاهرة من مسجد الزمالك، والجمعة الثانية في مسجد "لا لا باشا" بدمشق.

حدثني عن ذكرياتك مع جدك الشيخ صديق المنشاوي.
الشيخ صديق رحمة الله عليه توفى وكنت في المرحلة الإعدادية، وأذكر أن والدتي كانت تقول لي إنه يفرح بي فرحا شديدا، وكان يريد تسميتي"على" تيمنا بالشيخ على محمود، القارئ والمنشد المصري، لكي أكون مثله إلا أن والدي الشيخ محمود المنشاوي أصر على تسميتي بـصديق، لأنه كان يحب والده، وعندما كنت أبكي كان يقول لوالدتي "اتركيه يعيط خلي صوته ينجلي ويبقى صوته قوي" وكان دائما ما يقرأ القرآن في كل أوقاته، وقلت له كفاية يا جدي لحد كده قراءة القرآن، فكان يقول: القراءة المستمرة للقرآن هي حلاوة الحياة بالنسبة لي، وكان يعاملني معاملة خاصة، فكنت أنا الذي أخرج كل صباح للجري حتى ألحق بالقطار، لأعود إليه بالجورنال، لأنه كان يحب أن يعرف الأخبار وخاصة صفحة الوفيات لكي يقوم بواجب العزاء أو أقل شيء أن يرسل تلغرافا ويقوم بالواجب، وكان رحمة الله عليه هو بركة تلك العائلة المنشاوية.

هل كان حلمك أن تكون قارئا مثل جدك؟
لم يكن حلمي إطلاقا أن أكون قارئا نهائيا، لكن حينما كنت أسير مع الوالد رأيت كيف يحب الناس والدي، ويريدون أن يتصوروا معه ويجلسوا بجواره ويسلموا عليه، فقلت لنفسي يجب أن أكون مثله بأي شكل، وهذا كله بفضل حب الناس لجلال وعظمة القرآن الكريم.

هل كان جدك شديدا في معاملته مع الأبناء لأجل حفظ القرآن؟
طبعا أنا لم أر ذلك، ولكني سمعت أنه كان يكافئ المجتهد ومن يحفظ القرآن ويشتري له الحلويات ويتركه يلعب في الشارع، فكان يطبق مبدأ الثواب والعقاب، ولكن شجرة العائله متنفسها القرآن، فزمان التليفزيون ولا الإذاعة لم تكن تصل للصعيد فكانت الحياة هي القرآن "واللي مكنش يحفظه لا توجد له أي مكانة في البلد".


هل يوجد عائلة أخرى في الصعيد نافست عائلة المنشاوي في القرآن الكريم؟
يوجد عائلات كثيرة والشباب والأطفال كان الجميع يتنافسون في الحفظ، وحتى فترة قصيرة كانت الكتاتيب تؤدي دورا كبيرا..


من الذي أثر في حياتك من عائلة المنشاوي؟
من حببني في قراءة القرآن وفتحت عيني على رؤيته وسماعه عمي الشيخ محمد وأبي الشيخ محمود المنشاوي، لكن القدوة كان الجد، فقد تعلمت منه الزهد، وألا أترك أي إنسان زعلان مني، وألا أظلم أي شخص أبدا مهما حدث.

نريد أن نطمئن القراء على صحة والدك الشيخ محمود صديق المنشاوي؟
الحمد لله الوالد صحته تمام وزي الفل، ولكنه لا يستطيع أن يمشي حاليا إلا بالعكاز، وفضل أن يترك صورة جميلة للناس لما كانوا يرونه على شاشة التليفزيون في منظر بهي على أن يرونه وشخصا آخر يسنده.

"أهل الدموع هم أهل القرآن" قال ذلك الشيخان محمد ومحمود المنشاوي.. فما تفسير ذلك؟
أتذكر جيدا ما علمه لي شيخ في بداية حياتي، فكان يقول لي: "لابد إنك الأول تحس بمعنى الآيات فلو حسيت بمعنى الآيات هتتدخل قلبك، وحينما تدخل القلب ستقرأ من قلبك وليس فمك، وإذا خرجت من قلبك ستصل لقلوب الجميع" وكان دائما ما يعلمني شيخي فيقول لي: "أوعى ترضى أبدا الناس على حساب رضا ربنا".

حدثني عن ذكريات العائلة خلال شهر رمضان.
لله الحمد الشهر الكريم يكون سببا في تجمع العائلة، ويكون هناك عزومات متبادلة طوال الشهر، بالإضافة إلى الإفطار المجمع الذي يحضره الجميع، الأبناء والأحفاد، وهذا من فضل ربنا علينا الحمد لله.

كم عدد حفظة القرآن من عائلة المنشاوي؟
والله نحن نسمي جميع الأبناء في العائلة بمحمود ومحمد، تيمنا بأن يخرج منهم قارئ، والحمد لله كل الأطفال والشباب يحفظون القرآن ونلحق أبناءنا بجامعة الأزهر، وربنا يكرمنا بهم بإذن الله ويخرج منهم جيلا جديدا.

هل هناك رقم محدد لحفظة القرآن في العائلة؟
لا.. "مينفعش رقم، إنما معظم الأطفال والبنات يحفظون كتاب الله".

حدثني عن المنافسة بين عائلة المنشاوي وكبار القراء في ذلك العصر.
المنافسة كانت في ذلك الوقت على قراءة القرآن الكريم، وعلى مقدار حب الناس، وكان لكل قارئ مدرسة خاصة به، فلا يوجد أفضل من حب الناس فعندما يحب الله سبحانه وتعالى إنسانا ينادي في ملائكته أن أحبوا فلانا فيحبونه ويجعل له القبول في الأرض.

ما أهم المواقف التي تتذكرها من والدك وعمك؟
كنا ننتظر تلاوة الشيخ محمد صديق المنشاوي، في الإذاعة خاصة مع قراءة قصار السور، خصوصا أن من يمتلك جهاز راديو في ذلك التوقيت كان ذلك شيئا عظيما جدا، وكان الوالد يشغل لنا شرائط القرآن في بعض الأيام، وكانت بمثابة الأعياد لنا، حيث يلتف الجميع حول الراديو ليستمع، وكانت المشايخ في الصعيد تنتظر قراءة الشيخ محمود في الإذاعة، ليقرأوا ما قرأه، وعندما قرأ والدي سورة "طه" في أوائل الثمانينيات قرأها معظم المشايخ، وكذلك سورة يوسف، وكان يعقد ليلة كل سنة في جمعية الشبان المسلمين في ذكرى المولد النبوي، وكان ينتظرها الملايين في الوطن العربي.

هل الإذاعة تبث القرآن المرتل للوالد؟
نعم.. الإذاعة تبث للخمسة الكبار وهم الشيوخ محمود خليل الحصري، وعب الباسط عبد الصمد، ومصطفى إسماعيل ومحمد صديق المنشاوي، ومحمود البنا.

حدثني عن أول مرة تجلس فيها على كرسي القراء.
أتذكر أنني كنت أسير مع الوالد منذ صغري في المناسبات، وكان عمري وقتها 10 سنوات، وفوجئت بالناس تقول لوالدي "خلي الشيخ صديق يقرأ وحاولت استخبى إلا أنهم شالوني وحطوني على الكرسي" وأنا متأكد أنني لم اقرأ بشكل صحيح، إلا أنني وجدت الناس بتشجعني وهو ما دفعني بعد ذلك للذهاب مع والدي كل مرة، وعملت نفسي شيخ وطلبت من والدي شراء عمة فقال: لن أشتريها إلا بعد أن تنتهي من حفظ القرآن.

ما أول أجر حصلت عليه؟
كان خمسة جنيهات حصلت عليها كمكافأة في حفلة، وكانت حلما بالنسبة لي، وفضلت طول اليوم لم أستطع النوم، ولكنني كنت أحصل على جنيه شهريا.

هل اقتنعت بقصة تسميم الشيخ محمد صديق المنشاوي؟
بصراحة لم أقتنع بهذا الكلام، وكانت كلها حكايات نسمعها من الناس من كثرة حبها للشيخ محمد، فكانوا يصنعون له أساطير حبا فيه وهي روايات لست متأكدا منها.

ماذا عن رفض الشيخ محمد صديق لدعوة جمال عبد الناصر للقراءة؟
لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي ذلك الكلام، لأن العائلة كانت تُبجل جمال عبد الناصر تبجيلا شديد جدا.. أولا لأنه صعيدي من بلدنا، ولا أعتقد أن ذلك من أخلاق الشيخ محمد.

الحوار منقول عن بتصرف النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية