رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد نعينع: كنت قارئ وطبيب السادات وقرأت مع مبارك 30 عامًا

فيتو

  • رحلتى مع القرآن بدأت منذ الطفولة.. وأتممت حفظه قبل سن الـ8 سنوات
  • الشيخ مصطفى إسماعيل "أبويا الروحي".. وتعلقت به كثيرًا وما زال يأتيني في المنام
  • قرأت مرتين يوم تنصيب السيسي.. وهذه طقوسي في رمضان
  • كنت اقرأ أمام ملك المغرب محمد السادس نصف ساعة يوميا
  • هذه كواليس علاقتى بالرئيس السادات والموسيقار محمد عبد الوهاب


كما أنَّه لا حُزنَ يستمرُّ، ولا فرحَ يدومُ، فإنَّ دوامَ الحالِ منْ المُحال، ولا شيء أبدًا يبقى على حاله، وهو ما ينطبقُ على العلاقةِ بينَ "الرئيسِ" و"قارئِ القرآن الكريم".. منذُ أربعينياتِ وخمسينياتِ القرن الماضى.. عرفتْ الدولةُ المصرية "قارئً الرئيس"، حيث كان يتخذ الملكُ ثمَّ الرئيسُ قارئًا مُفضلًا، يُحيى الليالى والمناسباتِ الدينية وغيرَ الدينية، ويصطحبُه معه في أسفارِه. ويجسِّد القارئُ الراحلُ الشيخُ "مصطفى إسماعيل" حالة خاصة، فقد كانَ قارئَ الملك "فاروق"، وبقى قارئًا للرئيس بعدَ ثورة 23 يوليو 1952، وتوطدتْ علاقتُه بالرئيس الراحل "أنور السادات"، واكتسبَ "إسماعيل" شهرة فائقة، وصار معروفًا بـ"قارئ الملوك والرؤساء"، ثم خلفَه القارئ الطبيب "أحمد نعينع"، الذي بدأ مسيرته مع "قارئ الرئيس" مع خواتيم عصر "السادات"، وعاصر زمن الرئيس الأسبق "حسنى مبارك" كلَّه. وفى السنواتِ الأخيرة برزتْ أسماءُ أخرى مثل: "حجاج هنداوى" و" أحمد المراغى" وآخرين. ولكنَّ العلاقة بين "الرئيس" و"قارئ القرآن" شهدتْ في السنوات الأخيرة توترًا لافتًا وغيرَ مبررٍ، ولم تعدْ العلاقة على ما يرامُ.

أحد هؤلاء "القارئ الطبيب" كما يحب هو أن يطلق عليه محبوه الشيخ "أحمد نعينع"، ارتبط اسمه دائما بالطبقة الأرستقراطية في المجتمع حتى الملوك، واستحق لقب "قارئ الرؤساء" أو "المشاهير" عن جدارة، وذلك بعد الرحلة الطويلة التي بدأها منذ أيام الرئيس محمد أنور السادات ولمدة 30 عامًا مع الرئيس محمد حسنى مبارك، وصولا للرئيس السيسي في العديد من المناسبات.

صاحب الرحلة الطويلة في بحر التلاوة، وواحد ممن تأثروا بالعظيم الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل، كما أشار هو في حديثه لـ"فيتو"، مؤكدًا أن الراحل يعتبر بمثابة "أبيه الروحى"، وله الفضل عليه في التعمق في بحر التلاوة، كما تحدث عن كواليس علاقته بالرئيس أنور السادات والموسيقار محمد عبد الوهاب.

وإلى نص الحوار..

في البداية حدثنا عن رحلتك مع القرآن الكريم.
أنا من مواليد مدينة "مطوبس" بمحافظة كفر الشيخ، من أسرة متوسطة، والوالد كان تاجر أرز وقطن، والوالدة كانت ربة منزل، ورحلتي مع القرآن بدأت منذ الطفلولة المبكرة جدا وقبل دخولي المدرسة الابتدائية، في سن الـ3 سنوات، وكانت لديَّ موهبة تقليد الأصوات "مثل الطيور والحيوانات"، وكان يوجد في القرية قارئ اسمه الشيخ أمين الهلالي كنت أحبه كثيرًا وتأثرت به.

هل التحقت بأحد الكتاتيب قبل المدرسة؟
بالفعل التحقت بكُتّاب قريتي قبل دخول المدرسة، وتعلمت على يد الشيخ "أحمد الشوا" وهو من حفظني القرآن الكريم وأنا في سن مبكرة جدا قبل أن أبلغ الثماني سنوات، وبعد ذلك تعلمت أحكام التجويد، وكنت اقرأ وأنا في المرحلة الثانوية في مساجد بلدتي بين الأذان والإقامة، وفي صلاة الجمعة، وفي المدرسة وفي المناسبات المختلفة.

وماذا عن رحلتك مع كلية الطب؟
بعد مرحة الثانوية التحقت بكلية الطب بجامعة الإسكندرية، وهناك عرفنى زملائى بصوتى الجميل وموهبتي في تجويد القرآن الكريم، وبدأت أتعرف على أساتذتي وعلى رأسهم أستاذي الكبير ومعلمي الدكتور السيد درويش، وكان عميدًا لكلية طب الإسكندرية، وكان يدعوني وقتها للقراءة في المناسبات المختلفة التي تقيمها الكلية، وكان حينها رئيسًا لجمعية الشبان المسلمين في الإسكندرية، وكان يأخذني معه كل يوم خميس لافتتاح الندوة الأسبوعية التي كان يحضرها كبار العلماء حينها أمثال الشيخ عبد الحليم محمود وغيره من أهل العلم في ذلك الوقت.

كيف كانت انطلاقتك الحقيقية نحو الشهرة في عالم القراءة؟
ذاع صيتي في الإسكندرية وأصبحت محط أنظار الناس كلهم، وبدأت اقرأ في أكبر المساجد في الإسكندرية مثل مسجد سيدي المرسي أبو العباس، وسيدي بشر، وسيدي جابر، والعريش، والإمام البوصيرى، وغيرها من المساجد، وفي الاحتفالات المختلفة، وتعرفت في هذا التوقيت أيضًا على الشيخ أحمد زين العابدين السماك، وأصبحت قارئًا لمسجد سيدي على السماك بمنطقة غيط العنب لمدة 10 سنوات.

كيف تعرفت على الشيخ مصطفى إسماعيل؟
تعرفت على الشيخ مصطفى إسماعيل في الإسكندرية في منطقة اللبان بعدما قدمنى له عمي أحمد خليل، وكان موسيقارًا كبيرًا في الإسكندرية، وقال للشيخ مصطفى إسماعيل: "الولد ده بيقلدك بالظبط، فاسمتع إليه"، وبالفعل قرأت أمام الشيخ مصطفى إسماعيل، وأعجب بصوتي وأصبحت قريبًا منه منذ عام 1970 إلى أن توفاه الله عام 1978، وكن نعم العالِم ونعم المعلم، وكان بمثابة "أبويا الروحى".

وما مدى تأثرك بمدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل؟
تعلمت منه كثيرا، وما زلت أحبه وأراه دائما في رؤياي، وذات مرة رأيته في المنام وكنت حينها في لندن، وقلت له: "أنت واحشنى اقرأ لى آية" ورفض ووضع يده على كتفي، وقال لي: "لا، اقرأ أنت".

كيف ترى ما يقال بأنك تقلد مصطفى إسماعيل؟
محمد عبد الوهاب قال إن قمة التقليد هي بداية الإضافة، وأخبرني عبد الوهاب كثيرا أنني أضيف الكثير من عندي، وهناك مقولة للعقاد يقول فيها: "نحن قرأنا لسلفنا فكتبنا غير ما قرأناه"، وأنا أقول أيضًا: "نحن استمعنا لسلفنا فقرأنا غير ما سمعناه".

متى التحقت بالإذاعة؟
التحقت بالإذاعة عام 1979، بعد النجاح في اختبار اللجنة التي كان يرأسها الشيخ مرسي علم، والشيخ خليل حبة، كان أعضاء اللجنة من الأزهر، ومن الموسيقيين محمود كامل، والملحن أحمد صدقى، والحمد لله نجحت من أول اختبار، وما زالت تسجيلاتي تذاع حتى الآن، وعلى حسب درجتي كنت بالدرجة الأولى، وسجلت المصحف المرتل 31 ساعة وأهديته كاملًا للإذاعة، كما سجلت المصحف المجود 80 ساعة وأهديته أيضًا للإذاعة.

كيف كانت علاقتك بالرئيس السادات؟
استمع إلى الرئيس السادات أكثر من مرة، حيث كنت مجندا في البحرية، وكنت قارئا للقوات البحرية، وفي إحدى المناسبات حضر السادات إلى رصيف (9) وافتتحت الحفل بالقرآن الكريم، وكنت ملازما أول، فصافحني وأعجب بي، فقد كان من محبي مصطفى إسماعيل، لذلك أعجب بقراءتي وأشاد بي بحضور كبار رجال الدولة، وفي عيد الصيادين بالإسكندرية طلبوا مني افتتاح الحفل والقراءة، وكان الرئيس السادات حاضرا بالمقر الصيفي بالإسكندرية، وسلم عليّ وصافحني بحرارة وأعجب بي، وكذلك السيدة جيهان السادات كانت تعجب بقراءتي.

ولما توفي الدكتور محمود صلاح الدين، أبو الأمراض الباطنية ومؤسس طب الإسكندرية، أقاموا له حفل تأبين وكان هذا عام 1978، فقرأت في هذا الحفل، وكان الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء وقتها حاضرا وطلب مني الحضور لافتتاح "عيد الطبيب" بنقابة الأطباء بالقاهرة في يوم الطبيب، وبعد الانتهاء من القراءة قام السادات معجبا وسلم عليَّ بحرارة وحضنني، وقال: "كأنني أسمعها لأول مرة، وكأن القرآن مجسدًا أمامي"، واستبشر بهذه الآيات، وكان هذا قبل معاهدة كامب ديفيد، بعدها اختارني السادات طبيبا خاصا بالسكرتارية الخاصة به برئاسة الجمهورية، وتوطدت علاقتي به وكنت أسافر معه.

هل أنت مدين للرئيس السادات بالشهرة؟
لا شك أن وجودي مع الرئيس السادات أدخلني من أوسع الأبواب، ونلت شهرة واسعة في فترة قليلة، وهو كان "راجل سميع"، وكان يحب الشيخ مصطفى إسماعيل جدا، وبعد وفاته أصحبت أنا القارئ المفضل لديه، وذات مرة كان يستمع لي، وكان معه المهندس عثمان أحمد عثمان، وقال له: "مصطفى إسماعيل قد بعثه الله أو صحا من الموت وهو يقرأ أمامنا الآن"، يقصدني أنا بالكلام.

ما الموقف الذي لن تنساه مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات؟
في وادي الراحة كان السادات يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وكان يرافقه أنيس منصور، والمهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان حينها، وكنا وقتها نجلس على الأرض، على "الحصير"، وكان السادات يختار الآيات التي تحكي قصة سيدنا موسى، وآيات من سورتي من النمل وطه، وكان أنيس منصور يقول: "كأن القرآن نزل من السماء ليمتعنا به الدكتور نعينع".

من خلال قربك منه.. كيف كانت شخصية الرئيس السادات؟
كان الرئيس السادات عطوفًا، وشديد الطيبة، بالإضافة إلى أنه كان حازمًا في قراراته فصيحًا في خطاباته، وكان حقًا صاحب قرار الحرب والسلام، كما كان متدينًا ويواظب على الصلاة، وكان كما يقولون "ابن بلد".

وماذا عن علاقتك بالرئيس الأسبق حسنى مبارك؟
قرأت مع الرئيس مبارك قرابة الـ30 عامًا، وبدأت تلك العلاقة في عهد السادات عندما كان نائبًا له، وكنت على علاقة به، ولما تولى رئاسة الجمهورية توطدت العلاقة، وكنت أمارس مهنة الطب في «المقاولون العرب» صباحًا، وأذهب إلى الرئاسة لقراءة القرآن مساءً، إذ كنت القارئ المفضل لديه حتى رحيله عن الحكم.

هل قرأت قبل ذلك أمام الرئيس السيسي؟
بالفعل قرأت أمام الرئيس في عدة مناسبات وهو في منصب وزير الدفاع، وفي يوم تنصيبه بشكل رسمي قرأت مرتين في نفس اليوم، أولهما في أثناء حلفه اليمين في المحكمة الدستورية العليا، وفي مساء نفس اليوم قرأت في حفل تنصيبه في القصر الرئاسي وكان حفلًا ضخمًا.

هل كان الرؤساء يختارون آيات بعينها أم كان لك حرية اختيار الآيات؟
في حقيقة الأمر كان يترك لي اختيار الآيات في المناسبات المختلفة، وكنت دائما أستفسر عن المناسبة التي يقيم من أجلها الحفل وأختار الآيات المناسبة لذلك، والتي تتناسب مع المناسبة التي يقام من أجلها الحفل.

لماذا يلقبونك بقارئ المشاهير؟
لأن موهبتي هي التي فرضتني وقدمتني لأعلى مستوى، وكان الملوك يدعونني، وإلى الآن تتم دعوتى من قبل الملوك والرؤساء والأمراء في شتى أنحاء المعمورة، وليس في مصر وحدها، والمولى عز وجل أنعم عليَّ بنعمة القبول.

كيف كانت علاقتك بالموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب؟
بدأت علاقتي بالموسيقار الكبير عبد الوهاب بالتحديد في عام 1981 ليلة 26 يوليو، كنت اقرأ قرآن الفجر في مسجد سيدي أبو العباس المرسي، وكانت الإذاعة تنقل صلاة الفجر، فسمعني عبد الوهاب، وطلب من مجدي العمروسي أن يبحث عني، فجاءني مهندس من شركته وقال لي: عبد الوهاب يبحث عنك.. فقابلته وطلب مني تسجيل القرآن لشركته، فسجلت لها 30 ساعة مجودا، وصارت صداقة بيننا، وكنا نلتقي كل يوم خميس التاسعة مساء في منزله بالزمالك لمدة أكثر من عشر سنوات، ومعنا مجدي العمروسي، وكنت أجلس عنده على "كنبة" كان يجلس عليها الشيخ محمد رفعت وهو يقرأ القرآن، واستمرت صداقتنا حتى وفاته عام 1991، وكان يتابعني في الإذاعة، وكان متابعا جيدا لي، ويقول: لك طعم وتناول وإحساس مختلف.

حدثنا عن رحلاتك الخارجية؟
أنا زرت كل بلاد العالم تقريبًا، سافرت إلى كل الدول العربية والإسلامية في رمضان، وكذلك كل الدول التي بها أقليات إسلامية، كما كان لي صداقات مع الزعماء والرؤساء العرب، ومنهم الملك الحسن الثاني ملك المغرب رحمه الله، وقد كان مستمعًا جيدا للقرآن الكريم وقد دعاني للقراءة في المغرب، وظللت أذهب إلى هناك لمدة 6 سنوات، وبعدها في عهد الملك الحالي محمد السادس، وكنت أقرأ أمامه يوميًا لمدة نصف ساعة.

كما كنت أقرأ أمام الملك حسين ملك الأردن يرحمه الله وأخيه الأمير الحسن بن طلال، وكان يدعوني إلى الأردن كثيرًا سواء في رمضان أو غير رمضان، كما دعاني حسن بلقية سلطان بروناي، وتلقيت دعوة خاصة من ملك ماليزيا عام 1995، وقد دعاني من قبل وزير الحج والأوقاف السعودى الأسبق الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع في الحج، وقرأت في منى وعرفات عامي 1990 – 1991، وفي مسجد نمرة، وقرأت في المدينة المنورة.

هل ترى أحدا من الأجيال الجديدة يشبه القراء القدامى؟
لا أرى أي قارئ له تأثير على الساحة، فكلهم سواسية عندي، ولا يوجد من بينهم من أثر في أحمد نعينع.

هل ما زلت تمارس مهنة بالطب؟
ما زلت أمارس عملي في الطب بشركة المقاولون العرب، وليس في عيادة خاصة، وعملي بالقراءة يسير جنبا إلى جنب مع الطب، ولم أفضل القراءة على الطب، وأحرص على تنظيم وقتي بين الطب والقراءة.

هل يوجد من أولادك من اكتسب الصوت العذب في قراءة القرآن؟
أنا لديَّ 3 بنات لا يحفظن القرآن الكريم كاملًا، ولكني أجتهد معهن في تحفيظهن بعض الآيات بقدر المستطاع، ولكن بصورة متقنة.

ما مواصفات القارئ الناجح؟
حفظ القرآن، وتعلم أحكام التلاوة، وتنمية الصوت الحلو، والقراءة بإحساس، والتعايش مع كتاب الله.

هل لك طقوس معينة في شهر رمضان؟
في رمضان أحب الجلوس مع الأسرة، وأحب أن أتناول الإفطار معهم، ولا أحب العزومات خارج البيت، فأحب الجلوس بالمنزل وسط أولادي وأحفادي، ومنزلي به 60 مترًا مربعًا خاصة بالصلاة وقراءة القرآن.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..

الجريدة الرسمية