رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهجت يكتب: مذكرات صائم

فيتو

في كتابه (مذكرات صائم) كتب الكاتب الصحفي أحمد بهجت فصلا بعنوان "رمضان كريم"، قال فيه:


«استيقظت في الثامنة على عطش شديد ملح، أدركت أن صلاة الفجر قد فاتتني، سألت نفسي لماذا أذكر الآخرة كثيرا هذه الأيام؟

أخرجت المسبحة من الدولاب ونفضت عنها التراب وأمسكتها بيدي، تأملت نفسي في المرآة واطمأننت على مظهري الرمضاني، ثم هبطت السلم.

التراب يملأ السلالم، وعم عبد العزيز البواب يقف أمام البيت وفي يده المسبحة، قلت له: التراب يملأ السلم وعما قليل سيتراكم وندفن تحته.

ابتسم عبد العزيز ابتسامة عريضة وحرك المسبحة في يده، وقال: رمضان كريم.

قلت له: الله أكرم وانسحبت.

هزمني الرجل، يجلس على دكته الخشبية أمام العمارة، وما إن يطلب أحد من سكان العمارة منه شيئا حتى يرفع يديه للتكبير ويبدأ في الصلاة، فلا يجرؤ أحد على عتابه.

ثم جاء شهر رمضان وثبتت حقوقه في الصلاة بشكل قاطع، وزاد على حقوقه حق جديد هو ترك السلم بغير كنس أو مسح.

سرت في حارة ضيقة، وجدت منضدة خشبية قذرة عليها ستة براميل للطرشي وفوانيس تتدلى من دكان الخردواتي، ولافتة من القماش عليها عبارة تهنئة لسكان الحارة بحلول رمضان، وتحت التهنئة توقيع لرجل هو صاحب اللافتة، إنه مرشح الحي في الانتخابات التي رسب فيها ست مرات ولم ييأس.

سرت في طريقي فوجدت تلال الزبالة والتراب في الشارع، ويبدو أن الكناس صائم كبواب بيتنا، فهل تحولت البلدية إلى مجمع للزاهدين والصائمين الذين ألهتهم الآخرة عن الدنيا.

ركبت الترام، وكان مزدحما كعادته، الركاب صائمون والكمساري صائم، ولا أحد يدخن.

وصلت المصلحة، وأجلس في حجرة بها ستة مكاتب، وأنا رئيس الحجرة، ولي رئيس في الحجرة المجاورة، معنا شاب في الثلاثين لا يصوم، ومعنا زميل مسيحي جاملنا ورفض أن يدخن أو يشرب الشاي، وفجأة قال له زميل ثالث: دخن يا إسحق أفندي خلي البهوات تشم الدخان وتسلي صيامها.

استغربت في أغرب شباب هذه الأيام، أن الأدب الذي تعلمه جيلنا ليس له وجود، عكفت على الملفات أمامي، وحاولت التركيز فلم أستطع، إنها السجائر اللعينة، ودخان السجائر يتصاعد إلى الغرفة من زملائنا المفطرين، وأكواب الشاي تلف على المكاتب وسط حرماننا المتوحش.

أحسست أنني سأموت من العطش، فقلت لنفسي: لو مت اليوم سوف يضيع على الشهر كله، ولو أفطرت ضاع اليوم وبقي الشهر، ثم تراءت لي الجنة بأنهار الخمر واللبن والعسل، فقررت أن أصبر، فقضبت وجهي وصبرت».
الجريدة الرسمية