رئيس التحرير
عصام كامل

شرخ في جدار المجتمع


صور الفيضانات تنقل إلينا من كل دول العالم، سواء كان ذلك في أوروبا أو أمريكا أو آسيا أو أفريقيا، لم يكن غرق القاهرة الجديدة في الأسبوع الماضي حدثا متفردا، ولم تكن صور الأهالي وهى تواجه الطبيعة حدثا متفردا أيضا، ولم يكن تحرك اللواء محمد عرفان وزير الرقابة الإدارية حدثا مدهشا، فقد اعتدنا منذ ثورة يناير أننا لا نزال شبه دولة، وأن الوزراء مجرد سكرتارية، وأن السيد رئيس الوزراء رجل هادئ الطباع لا تحركه مثل هذه الأمور بسهولة.


المدهش والمثير والخطير هو ظهور شرخ رهيب في جدار المجتمع تجلى في حالة شماتة وتشف موجهة ضد سكان القاهرة الجديدة باعتبارهم طبقة عليا أخذت كل شيء بينما أقرانهم من سكان المعمورة في بقاع مصر من القرى والنجوع والمدن العشوائية ضحايا أنظمة متعاقبة صنعت للكبار مدينة لا يسكنها إلا الأغنياء والوزراء والأثرياء.. مدينة ذات أسوار من الجدران الاجتماعية التي فرقت بين أبناء الشعب الواحد.

لست مع الشماتة غير أني مع تدارس هذا الواقع المفجع والخطير عندما يتنامى في المجتمع مثل هذا الإحساس، أنا مع دراسة الأمر بجدية خاصة وأن سكان مصر الثانية أو الشامتين في سكان مصر الأولى تطالعهم إعلانات الفضائيات والإنترنت والصحف بمفاجآت مذهلة، عندما تعرض شققا زهيدة الثمن وتبدأ أسعارها بما يزيد على المليون ببضع مئات من آلاف الجنيهات، أضف إلى ذلك تنامى فكرة الكمبوند الرهيبة اجتماعيا، والتي باتت ظاهرة تهدد المجتمع.

بعض سكان مصر «اللى تحت» سعدوا بمشاهد أسوار الكمبوندات وهى تنهار على رءوس سكانها، لأنهم يشعرون أنهم درجة ثانية فالوزراء مشغولون بزيادة معاشاتهم إلى ٣٣ ألف جنيه وسكان «تحت» يخرجون على المعاش بعد ثلاثين عاما من الخدمة ليقتاتوا معاشا لا يصل إلى ألف وخمسمائة جنيه، بينما وزير الشهر الواحد أو الشهرين أو السنة والسنتين يخرج ليجد نفسه مغلفا بثلاثة وثلاثين ألف جنيه.. أي عنصرية تلك وأى إجحاف هذا وأى جنون ذلك الذي يصنع حالة من الطبقية الرديئة؟!

السيد رئيس مجلس نواب الشعب ونائبه أيضا مشغولون بمرتباتهم التي وصلت حسب الزيادة الجديدة إلى ٤٢ ألف جنيه شهريا، أما معاشاتهم فإنها لن تقل عن الثلاثة وثلاثين ألف جنيه، ما الذي يجعل مواطنا يجاهد ليل نهار من أجل إطعام أولاده فول وطعمية لا يشمت في سكان المرتبات والمعاشات المذهلة التي يطالع أخبارها في الصحف والفضائيات ومواقع الإنترنت؟!!

لست مع الشامتين غير أنى أضع نفسى في مواقعهم، أتابع بمنطقهم ما يجرى وما يدور فأرانى مستسلما لفكرة الغيظ والحقد والكراهية.. أتصور نفسى أبا يعمل في مصلحة حكومية أو في إحدى شركات القطاع الخاص وأحصل على مرتب ثلاثة آلاف جنيه، أتصور نفسى مدرسا في مدرسة وأحصل على ألفى جنيه، أرى نفسى عاملا بالأجرة أو خريجا يعمل في شركة نظافة، أرى ذاتى في كل هؤلاء وأنا أعيش تلك الفجوة الرهيبة بين قدرتى على الوفاء بالتزامات بيتى وما أطالعه وأراه يحاصرنى في كل لحظات حياتي!!

أطالع أخبار العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة المستقبل، فأجد فرصة قبل انتهاء العرض، شقق تبدأ بأحد عشر ألف جنيه للمتر والفرصة مواتية للسكن في تاون هاوس بأسعار أقل من أربعة عشر ألف جنيه للمتر، فيلات وقصور، شاليهات وحمامات سباحة وسكن يرى البحر مباشرة، كل مشروعات العصر الجديد لا مكان فيها لملح الأرض، وإذا فقد ملح الأرض أملا في الحياة فلا أمان لكبار أو أغنياء أو وزراء.

شماتة الأربعاء الماضى أمر جلل لا يمكن علاجه «بشنطة رمضان» فالصدقات والمن وممارسة التسول لإنقاذ شعب لا تصنع أمة.. الحق في الأمل يوازى الحق في الحياة، إتاحة صعود السلم الاجتماعى أولى درجات الاستقرار، بناء الأسوار لا يحمى وطنا، معاش كرامة وتكافل، جمع التبرعات لبنك الطعام، ممارسة تسول جمعيات الأيتام..كلها نماذج لا يجب أن تكون الأساس، بناء الأمل وزرعه في نفوس الناس هو عنصر الأمان الوحيد وليس غيره.
الجريدة الرسمية