رئيس التحرير
عصام كامل

مات صاحب حلم «الميدان» بيير السيوفي

فيتو

قد يغيب الموت جسدًا، لكن مواقف الإنسان وأحلامه وأفكاره تظل حية لا تموت، هذا ما حدث للمخرج والفنان التشكيلي بيير السيوفي صاحب الأحلام الكبيرة التي وضعها شباب ثورة 25 يناير من شقته المطلة على ميدان التحرير.


«بيير ابن عيلة ثرية كانت بتشتغل في تجارة التحف والأنتيكات، اتخرج من الجامعة الأمريكية، وكان يسكن في ميدان التحرير، وقلبه عايش في الشوارع والحواري المحيطة بيه»، هكذا قال عنه الناشط السياسي زياد العليمي، الذي وصف قلبه بـ"المساكن الشعبية".

كان بيير السيوفي يري أن إقامته في ميدان التحرير أمر غير جيد، حيث الضوضاء تأتي من كل مكان، والصخب يحل بالميدان حتى أوقات طويلة لا تساعد على العمل، وكان ناقما على جده لشراء الشقة في الميدان، لكن وجهة نظره تغيرت تمامًا عند قيام ثورة 25 يناير 2011، فقد امتلأ الميدان عن آخره بالأحلام، وكأن مصر تولد منه من جديد، فأحب بيير التحرير، صانع الأحلام، حسبما وصفه في أحد أحاديثه أثناء ثورة يناير.

كان الميدان يمثل لبيير السيوفي، المخرج السينمائي والفنان التشكيلي، المعروف باسم "مستر حسان حسان" في أحد مشاهد فيلم المنسي، نقطة الانطلاق، فجعل من شقته مركزًا لتجمع الشباب الحالم بغدٍ أفضل، وكانت شرفته متاحة لعمل كافة التقارير الإعلامية، أما الأجرة المطلوبة فقد كانت إظهار مصر العظيمة وثورتها في أجمل حال.

"قلبه مساكن شعبية.. شايف البلكونة اللي متعلق فيها مطالب المعتصمين دي؟ ده بيت بيير السيوفي، الراجل اللي أحلام ملايين المصريين اتعلقت ببلكونته، ورسم كل أحلامهم - في المطالب اللي وقتها كانت ممكن تكلفه حياته- على واجهة عمارته"، كما يصفه زياد العليمي في تدوينة له بفيس بوك.

ويتابع: الثورة كانت فرصة لبيير.. فجأة الشوارع والحواري اللي قلبه عايش فيها بناسها وصلوا لغاية عنده، تحت البيت.. بيته بقى جزء من الميدان، بثقافته، وطريقته وناسه، جزء من الميدان حرفيا مش مجازًا".

كان بيير يصنع حلم المصريين من داخل شقته، كما حكي العليمي "باب مفتوح ٢٤ ساعة، تدخل تلاقيه قاعد في أو حوالين نفس المكان، ماسك الكمبيوتر بتاعه وبيكتب أو بيتابع حاجة، وباقي البيت زحمة بشكل رهيييب بناس معظمها مايعرفش مين صاحب البيت أصلا".

انشغل بيير السيوفي بالسياسة منذ ذلك الحين، وقرر أن يكون صانع الحلم، فقرر مرافقة الفن، الذي لم يقدم فيه سوى 13 عملًا فقط، ولم يظهر إلا في مشاهد قليلة منها شخصية زعيم المافيا في "المنسي" ومدير الكبارية في "أرض الخوف"، وشارك في فيلم "من نظرة عين"، وجسد شخصية رجل الأعمال في مسلسل "أهل كايرو"، و"الهروب من الغروب".

كان «بيير» يحب الجلوس على مقهى زهرة البستان، بجواز شقته في وسط البلد، وجعل منها مقهى ثقافيا، وخاصة أنها تجاور محل بيع الأنتيكات الذي يملكه؛ كان يحب أن يجمع التحف ويتاجر بها.

يستكمل العليمي: "معظم الناس اللي مروا على البيت دة مايعرفوش مين صاحبه، ولا مين اللي ساكن هنا، إلا لما يطلبوا حاجة تحتاج إذن من صاحب البيت، ولما تستأذنه هتبقى دي المرة الوحيدة، اللي تحس أن بيير بيعاملك وحش فيها؛ هو مبوز ومستغرب وغالبا مش هيبص لك وهيقولك: وأنا مالي.

في عام 2013 كان قرار بيير السويفي باختتام حياته الفنية بفيلم تسجيلي بعنوان "الميدان"، الذي حصد عدة جوائز عالمية، ثم اختفي عن الساحة الفنية والسياسية، ليظهر بعد ذلك في خبر يقول "الموت يغيب رجل المافيا بيير السيوفي"، نزل على أصحاب حلمه من النشطاء والسياسيين كالصاعقة، ليسدل الستار على جسد صاحب الحلم في هدوء بعد تشييع جنازته من كنيسة "سيدة السلام" بجاردن سيتي، لكن حلمه وهدفه النبيل يظل باقيًا في قلوب كل من عرفوه عن قرب.

الجريدة الرسمية