رئيس التحرير
عصام كامل

شهدي عطية يكتب: لماذا لم يحب نجيب محفوظ كتابة المقالات؟

فيتو

بدأ نجيب محفوظ حياته الفكرية كاتبًا للمقال وهو لا يزال طالبا في قسم الفلسفة بكلية الآداب وكان يكتب مقالات ذات طابع فلسفي في دوريات "المجلة الجديدة " لصاحبها سلامة موسى وهي التي احتضنت أولى مقالات نجيب محفوظ.


ثم بدأ محفوظ يكتب مقالات في دوريات أخرى مثل المعرفة المصرية والسياسة والأيام والرسالة وغيرهم من الدوريات إلى أن وجد طريقه واهتدى إلى وسيلته التعبيرية - على حد قوله - حين جاوب على سؤال "لماذا لم تجرب كتابة المقال وهو من أهم الأشكال الأدبية وأصرحها للتعبير عن الرأي؟" فكان جوابه بالنص "لقد بدأت حياتي بكتابة المقال، كتبت بصفة متواصلة فيما بين عامي 1928 – 1936، مقالات في الفلسفة والأدب في المجلة الجديدة والمعرفة والجهاد اليومي وكوكب الشرق.

ثم اهتديت إلى وسيلتي التعبيرية المفضلة هي القصة والرواية، ولو كنت صحفيا لواصلت كتابة المقال إلى جانب القصة والرواية، لكني كنت وما زلت موظفا ، فلم يكن شيء يرجعني إلى المقال إلا ضرورة ملحة يضيق عنها التعبير القصصي، واعترف لك أن هذه الضرورة لم توجد بعد".

وبالفعل انقطع نجيب محفوظ عن كتابة المقال بعد مقالته الشهيرة "القصة عند العقاد" التي كتبها في مجلة الرسالة عام 1945 وكانت هذه المقالة ردا على ما كتبه العقاد من رأي مثيرا جدلا في كتابه "في بيتي" فما كان من الشاب الأديب نجيب محفوظ إلا أن كتب ردا على العقاد مفندا فيه حديث العقاد عن الرواية والشعر ولم نَقرأ ردا للعقاد على نجيب محفوظ برغم أن العقاد دخل في سجالات عديدة سبب رأيه في أدب الرواية مع كتاب آخرين.

وربما أن نجيب محفوظ لم يكن قد لفت انتباه العقاد بعد حتى يقوم بالرد عليه، يعد انقطاع نجيب محفوظ عن كتابة المقالات أكبر فائدة له ولأدبه الروائي لأنه تفرّغ تفرغا تاما لكتابة الرواية والقصة بعكس آخرين من أدباء عصره اللذين انهمكوا وأنهكتهم معارك وسجالات أدبية وسياسية فكانت كتابة المقالات لديهم متوازية وربما أكثر من الرواية والقصة مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس على سبيل المثال. 

وربما أن كتب يوسف إدريس من المقالات أكثر من كتبه من الروايات وهذا ما لم يفعله نجيب محفوظ، لأنه كان مثل قطار السكة الحديد الذي يعرف اتجاهه بالتحديد ولا يحيد عن مساره، ولذلك كانت المحصلة هي أغزر إنتاج أدبي متمثلا في خمسة وثلاثين رواية وتسعة عشر مجموعة قصصية وست مسرحيات بخلاف القصص القصيرة التي لم يجمعها وتولى تلامذته بجمعها بعد ذلك.

وعندما تولى محمد حسنين هيكل رئاسة تحرير الأهرام كان يفهم جيدا نفسية نجيب محفوظ، وأنه يفضل أن يستخرج رأيه في رواية أو قصة ولذلك كان دور نجيب محفوظ في الأهرام في عهد هيكل هو نشر الروايات مسلسلة على حلقات فقط وبدأها بأولاد حارتنا عام 1959. 

لكن عندما جاء يوسف السباعي في السبعينيات طلب من محفوظ كتابة مقال أسبوعي، واضطر نجيب محفوظ للكتابة أسبوعيا كل خميس مقالا خفيفا صغير الحجم يمكن اعتباره رءوس أقلام وكان يعتبر نجيب محفوظ ذلك توريطًا له واستمر في كتابة عموده الأسبوعي سنوات إلى أن تعرض لمحاولة اغتيال عام 1994 وهنا توقف عن كتابة المقالات واكتفى بالحوارات التي كان يجريها معه "محمد سلماوي" وينشرها تباعا في الأهرام.

وهنا أعرض أحد مقالات نجيب محفوظ في السبعينيات وهو خاص بحدث مهم جدا وقتها وهو طعن البعض في ذمة عبد الناصر المالية وكان متزعما تلك الحملة "جلال الدين الحمامصي" وانتقلت القضية للمدعي العام الاشتراكي الذي حكم ببراءة ذمة جمال عبد الناصر المالية ونجد نجيب محفوظ في المقال معقبًا على الحكم قائلا "إن ذمة عبد الناصر ليست ذمة فرد لكنها ذمة مصر وذمة الحكم الوطني بل هي حكم يصدر عن أهليتنا لحكم أنفسنا"..
Advertisements
الجريدة الرسمية