مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية: «الجماعات الإرهابية» مفسدة في الأرض.. حد «الحرابة» جزاؤها.. ترويع الآمنين حرام.. وعلى الدولة الضرب بيد من حديد لتطهير وطننا من كل فاسد
في ظل المواكبة المستمرة والدائمة للأحداث، والحرص على إظهار صورة الإسلام الوسطي الصحيح وتفنيد الأفكار الضالة للجماعات الإرهابية والمتطرفة، أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مجموعة من الفتاوى المهمة، موضحًا الحكم الشرعي الذي ينطبق على العناصر الإرهابية التي استهدفت ظهر الجمعة الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري، مسجد الروضة بمدينة العريش في محافظة شمال سيناء.
هذه الجريمة الوحشية التي راح ضحيتها عشرات الشهداء، وأصيب آخرين، أثناء أدائهم لصلاة الجمعة، والتي تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الإرهاب لا دين له، وأن عناصره لا يفرقون عند ارتكابهم جرائمهم الوحشية بين مسلم وغير مسلم، وأنهم لا يريدون إلا تخريب البلاد وقتل العباد وإشاعة الفوضى والدمار.
عصمة الدماء
وفي هذا السياق، أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الأصل الذي أقرته كل الشرائع السماوية - بل والأعراف والقيم الإنسانية - هو عصمة دماء الناس، وحفظ نفوسهم وتكريمها، ولذلك جعلت الشريعة الإسلامية قتل نفس بريئة واحدة كقتل الناس جميعًا، فقد قال الله تعالى في سورة المائدة: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، ومن هذا المنطلق أوجبت المحافظة على «الضرورات الخمس» وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، وقد أكد نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع على الحرمات، ليحفظ على الناس استقرارهم وأمنهم، فقال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا».
وأشار، إلى أن الإسلام حرم الاعتداء على المدنيين الآمنين سواء بالسب أو بالضرب أو بالقتل أو بأي نوع من أنواع الإيذاء والترويع، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، وفي سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا»؛ هذا في مجرد الإشارة والترويع، فما بالنا بمن يقتل أخاه ويسفك دمه ويهتك حرمته ويفزعه في بيته.
مفسدون في الأرض
وأكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الإسلام برئ من الجماعات الإرهابية التي لا يجيد عناصرها سوى القتل والتفجير وسفك دماء الأبرياء، وأن الشريعة الإسلامية تُجرم أفعالهم وتتبرأ من سلوكياتهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من يحمل علينا السلاح بقصد التخويف أو القتل أو إدخال الرعب علينا فليس متبعًا لطريقتنا أو سنتنا؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث المتفق عليه: «من حمل علينا السلاح فليس منا».
وأضاف، أن الشريعة الإسلامية حرمت الاعتداء على دور العبادة وقتل من فيها، واعتبرت من يقترفون مثل هذا الفعل «مفسدون في الأرض»، وشرعت لهم عقوبة زاجرة وهى حد «الحرابة» والتي تستوجب إما قتلهم أو صلبهم أو قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو نفيهم من الأرض، فقد قال الله تعالى في سورة المائدة: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وأشار، إلى أن «الحرابة» مأخوذة من الحرب؛ فهؤلاء الخونة المجرمين بخروجهم على المجتمع وعلى نظامه، يعتبرون محاربين له، ومحاربين لتعاليم الشرائع كلها، لذلك كان جزاؤهم من جنس عملهم.
ترويع الآمنين
وأوضح مركز الأزهر، أن أي عمل عدواني من شأنه ترويع الآمنين وقتل الأبرياء وإشاعة الفوضى والدمار في الأرض، لا يصح شرعًا أن يوصف بـ«الجهاد»؛ مؤكدًا أن الإسلام شرع الجهاد لرد الاعتداء، والدفاع عن النفس والعقيدة والوطن، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بنصرة المظلومين ودفع الظلم عنهم، وتمكينهم من حقهم في حياة آمنة، وذلك مصداقًا لقول الله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»، والإسلام الحنيف كفل للجميع مسلمين وغير مسلمين الحرية في ممارسة شعائرهم، وأوجب احترام المقدسات ودور العبادة، ولذلك هو برئ من كل اعتداء ينسب إليه زورًا وبهتانًا.
معاونة الإرهابيين
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الدور الأساسي للناس في مواجهة المتطرفين يتمثل في الأخذ على أيديهم ومنعهم بكل السبل والوسائل الممكنة من الاعتداء على الآمنين وترويعهم، وأنه يحرم على أي شخص إعانة الجماعات الإرهابية على القيام بأعمالهم الإجرامية، وإيذاء الناس، والحاق الضرر بهم في دمائهم وأبدانهم وأموالهم وأعراضهم، وأن من يرى فعل عناصر هذه الجماعات أو إعدادهم أو تخطيطهم لتنفيذ أي اعتداء ويسكت على ذلك، أو يساعدهم ويتعاون معهم، فهو مخالف لتعاليم الشريعة الإسلامية، وينطبق عليه نفس الحكم الشرعي الذي ينطبق على هؤلاء المجرمين؛ مصداقًا لقول الله تعالى في سورة المائدة: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
القصاص من القتلة
أشار إلى أنه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب القصاص من القاتل الذي باشر فعل القتل بنفسه، حتى ولو تعدد القتلة وإجتمعوا على ذلك، سواء كان اجتماعهم على القتل نتيجة اتفاق سابق أم لا، ومحل الخلاف بين أهل العلم، في هذه المسألة هو نوع العقاب المستحق على من اتفق على القتل ولم يحضر، أو من أعان عليه ولم يباشره، فالأئمة أبو حنيفة والشافعي وأحمد، يرون أن القصاص يقع فقط على من باشر القتل بنفسه، ويعاقب من أعان أو اتفق ولم يحضر بـ«التعزير» الذي قد يصل إلى القتل قصاصًا؛ بينما ذهب الإمام مالك، إلى قتل من أعان ولم يباشر قصاصًا، كأن كان جاسوسا، أو حارسًا للأبواب، ونحو ذلك من الأفعال التي من شأنها إعانة القتلة على ارتكاب جرائمهم.
رد العدوان
دعا المركز جميع المصريين إلى التكاتف والتعاون لرد هذا العدوان ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ووجوب مساعدة الأجهزة الأمنية في التصدي لهم، وأن لا يكونوا من المسهلين لهم عملهم، أو الراضين لارتكابهم جرمهم، فلو ترك الله الذي يستقوي بسلاحه على الناس ويقتلهم لفسدت الأرض، ولكن الله يدفع ظلم هذا المعتدي بسلاحه على الآمنين الضعفاء، ببعض الناس الذين اختصهم بحفظ الأمن والأمان للناس، وهم أجهزة الدولة، والتي يجب الوقوف بجانبها.
ويجب على الجميع أن يعلموا أن كل هذه الأحداث الإرهابية لا تريد إلا الخراب والدمار وإشعال الفتنة بين الناس؛ لذلك يجب علينا جميعًا أن نقف صفًا واحدًا في التصدي بكل قوة لهؤلاء البغاة، وأن نبتعد عن كل أشكال العنف والتطرف والترويع والتخويف، وأن ننبذ كل من يمارس هذه الأفعال التي نهى عنها الشرع الحنيف، وعلى الدولة بكافة أجهزتها الضرب بيدٍ من حديد حتى نُطّهر مجتمعنا من كل فاسد وباغٍ.
