رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ الشعراوي الغائب الحاضر


تمضي حياة الكثير من الناس وتمر وتنتهي بوفاتهم ورحيلهم عن دنيانا دون أن يكن لهم أدنى الأثر في حياة الآخرين، وهناك قلة قليلة من الناس رحلوا عنا ولكنهم لن يغيبوا، وهؤلاء هم الذين أثروا الحياة وكانوا ولازالوا منارات ومصابيح الدجى تنير للبشر ظلمات الطريق في دروب الحياة، وترشدهم إلى طريق الخير والسعادة والفلاح، وهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، والحاضرون وإن غابوا ورحلوا عن دنيانا.. وصدق القائل: "كم من أموات تسعد القلوب وتحيا بذكرهم، وكم من أحياء تشقى النفوس وتتألم برؤياهم"..


هذا ولا شك أن السادة العلماء هم الأحياء وإن ماتوا، وهم الحاضرين وإن غابوا، فما تركوه لنا من أنوار العلم والمعرفة يجعل لهم الحضور الدائم بيننا على الدوام، ومن هؤلاء المخلدين في الأرض والذين تحيا القلوب بذكرهم الإمام المجدد والعالم الرباني فضيلة الشيخ والعارف بالله الشيخ محمد متولي الشعراوي، ذلك الرجل الذي فتح الله على قلبه ومنحه نورا غاص به في بحور آيات كتاب الله تعالى، فاستخرج لنا من الدرر واللآلئ والجواهر واليواقيت وأسمعنا من مخزونات العلم المكنون، واستخرج لنا من معاني الخطاب الرباني جواهر ببساطة شديدة ودون كلكعة أو تعقيد، فتساوى في الفهم المثقف والأمي، هذا ولا أبالغ أن قلت أنه بحق فاق أهل العلم في زمنه بل وفي أزمنة سابقة..

هذا ويعد فضيلة الشيخ الشعراوي واحدا من أميز المتأملين في كتاب الله ومفسريه، ومما لا يعرفه الكثيرون عنه كإنسان أنه لم يكن عالما فقط يملك ناصية اللغة العربية لغة القرآن ويجيد التفسير بل كان عالما ربانيا عاملا بعلمه، فقد كان إنسانا بسيطا متواضعا وكان زاهدا ورعا تقيا سهلا بشوشا بساما، أقبلت عليه الدنيا فلم تغره ولم تجذبه إليها، جاءته بالشهرة والمال والسلطان وبكل مغرياتها فتعفف عنها، وكانت تحت قدمه ولم تتجاوز يديه، وكان إقبالها عليه رحمة بالفقراء والأرامل والمساكين واليتامى والمحتاجين..

لقد عرفت هذا الرجل عن قرب في نهاية السبعينات واقتربت منه، وأقول شهادة لله بأمانة في حق هذا الرجل باختصار شديد وجدته عاملا بما يقول، مترجما بسلوكه مكارم وأخلاقيات الإسلام، وكان بالرغم من كثرة انشغاله بالدعوة كان له خلوة يخلو فيها بربه عز وجل، يراجع نفسه ويحاسبها، ويذكر فيها ربه ويتقرب إليه سبحانه وتعالى، وكان من أهل الشكر واليقين، وكان عارفا بالله تعالى له تجلياته ونفحاته وإشراقاته النورانية في مجالسه الخاصة، وكان مما يميزه أنه كان يخاطب الناس على قدر عقولهم، وأقسم بالله أن هذا الرجل كان بحرا زاخرا بعلوم الحقائق والمعارف واللدنيات، إلا أنه كان عنده ميزان محكم يقيم به الوزن بالقسط ولا يخسر الميزان..

فكان عنده للعامة من الناس خطاب، وللصفوة الخاصة خطاب، يخاطب العقول لأهل العقول، ويخاطب القلوب لأهل القلوب، هذا والشيخ الشعراوي استطاع أن يجمع كل الطوائف الإسلامية في خطابه دون أن يختلف عليه، وهذا ليس بأمر سهل، ولا يوجد إلا عند أهل الحكمة، وقد كان رحمه الله من أهلها، هذا والحديث عن هذا العالم العارف بالله يطول ولا ولن يوفي أحد حق هذا الرجل وفضله..

هذا ويعتبر فضيلته رمزا من أعلى الرموز الإسلامية في عالمنا الإسلامي والإساءة إلى فضيلته بأي شكل هي إساءة للدين ورجاله وأزهرنا الشريف، ومن هنا أطالب بمحاكمة الكاتبة "فريدة الشوباشى" لتطاولها على الشيخ الشعراوى بتهمة ازدراء الأديان والإساءة إلى رموزه بل وإلى رسول الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم فكما جاء في الحديث: "العلماء ورثة الأنبياء"..

وفي الختام أقول: إن حرية الرأي لا تعني بأي شكل من الأشكال التطاول، والتجريح، وأبشرك بحرب من الله عز وجل لقوله سبحانه: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب"، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الجريدة الرسمية