رئيس التحرير
عصام كامل

ألمانيا بانتظار تشكيل الحكومة في ظل التجربة الهولندية

فيتو

تمكنت هولندا أخيرًا من تشكيل حكومة جديدة بعد سبعة أشهر من الانتخابات في مارس.

وتوجد أوجه تشابه بين الوضع الهولندي والوضع في ألمانيا، لكن وجود اختلاف جوهري يمكن أن يجعل المفاوضات في برلين أكثر صعوبة، حيث تحصل الأحزاب الصغيرة على فرصة عندما يغلب التمثيل البرلماني الفائز بالانتخابات، إلا أن النجاح في تشكيل الحكومة مشاركة يمكن أن يستغرق نصف عام بعد الانتخابات.

وبدأ الألمان يشعرون بعدم الارتياح لأن المحادثات الاستكشافية بين شركاء التحالف المحتملين لن تبدأ إلا بعد أسبوعين من انتخابات البوندستاج، أما في هولندا، فقد قدمت الحكومة الجديدة برنامجها يوم الثلاثاء، بعد نحو سبعة أشهر من الانتخابات التي جرت في 15 مارس، بعد سبعة أشهر.

وبعد أكثر من 200 يوم من الانتخابات، تمكن رئيس الوزراء الهولندى مارك روت من حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية في النهاية من مشاركة الاتفاق الذي توصل إليه حزبه مع شركائه الثلاثة في الائتلاف: حزب الديمقراطيين التقدميين 66، وحزب النداء الديمقراطي المسيحي، وحزب الاتحاد المسيحي الصغير.

وقال روت للصحفيين "إنّ جميع الأطراف قدّمت بعض المطالب في اللحظة الأخيرة"، وأضاف "لكن ميثاق الحكومة الآن جاهز بالتأكيد."

في حين أن المفاوضات الائتلافية الطويلة ليست غير اعتيادية في هولندا، فإن 209 يوما هو رقم قياسي جديد للهولنديين.

"هذه أطول مدة على الإطلاق استغرقها تشكيل حكومة جديدة (في هولند)، هكذا قال ماركوس ويلب وهو باحث في العلوم السياسية في مركز الدراسات الهولندية في جامعة مونستر لـ DW، وأضاف: "ولكن كان يمكن أن تستمر(المفاوضات) لفترة أطول."

ليس هناك موعد نهائي في هولندا عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة بعد الانتخابات العامة. والشيء نفسه ينطبق على ألمانيا.

ويتعين على البوندستاج أن يعقد أول جلسة له، حيث تجتمع جميع الأحزاب البرلمانية وتصوت لرئيس البرلمان الجديد، أي بعد أكثر من 30 يومًا من الانتخابات.

ولكن في كل من ألمانيا وهولندا، يمكن للسياسيين الاستمرار في محادثات استكشافية ومفاوضات ائتلافية مهما طال أمدها لتشكيل حكومة جديدة، وهذا يخفف من تأزم الحالة السياسية الراهنة، حيث أوضح السياسيون الهولنديون أنهم سيعتبرونه فشلًا إذا لم تنجح محادثات التحالف وكان على الهولنديين الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى.

ولكن بالنسبة لروت، كان إيجاد شركاء لحكومة جديدة أمرًا ليس سهلًا في برلمان مجزأ حيث كان هناك 13 حزبًا، بعضها مع مقعدين أو ثلاثة مقاعد فقط.

وقال ويلب: "كان من الصعب نسبيا هذه المرة لأن الحزب الأقوى فاز بأكثر من 20 بالمائة من الأصوات فقط"، وأضاف أيضًا "هناك عدد كبير جدًا من الأحزاب الصغيرة والمتوسطة في البرلمان، ولم يكن هناك ائتلاف واضح منذ البداية."

وبنتيجة 21.3 في المائة من الأصوات في مارس، فقد حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية التابع لروت نحو 5 في المائة مقارنة بالانتخابات العامة الماضية في عام 2012.

وقد خسر شريكه السابق حزب العمل 19 في المائة مقارنة بالانتخابات السابقة وأعلن الحزب أنه سيذهب إلى المعارضة وهى خطوة تجلَت في ألمانيا بالنسبة للحزب الديمقراطى الاشتراكى بعد خسارته التاريخية في الانتخابات البرلمانية في الشهر الماضي.

وبسبب خسارته دعم شريكه السابق في الائتلاف، بدأ روت من التقرب إلى حزب اليسار الأخضر. إلا أن الجانبين لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق، حيث تباعدا حول وجهات النظر المختلفة المتعلقة بموضوع الهجرة.

ولم يكن روت مستعدا لتشكيل ائتلاف مع الحزب الهولندى اليمينى المتطرف في البرلمان الهولندى التابع لخيرت فيلدرز، الذي يعتبر الحزب الثاني الأقوى في البرلمان. هذا ترك حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية خيار تشكيل ائتلاف "الأربعة أحزاب".

وقال ويلب "إن هولندا لم يكن لديها حكومة تتكون من أربعة أحزاب منذ 40 عامًا. هذا غير اعتيادي للغاية."

وحتى مع التشكيل الائتلافي المكون من أربعة أحزاب، فإن الحكومة الجديدة لا تملك سوى مقعد واحد أكثر في البرلمان الهولندى مما يجعلها تشكل الأكثرية. ولكن حقيقة أنهم تمكنوا من تقديم تنازلات كافية للإلتقاء معًا لا يزال إنجازًا كبيرًا.

"لقد كان لديهم اختلافات أيديولوجية كبيرة حول مواضيع متنوعة، قال ويلب واصفا الأحزاب الأربعة. وأضاف " هناك حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية المنفتح اقتصاديًا، والحزب الليبرالي التقدمي المنفتح اجتماعيًا، والحزب الديمقراطي المسيحي، والاتحاد الأرثوذكسي البروتستانتي المسيحي."

أربعة أحزاب مختلفة من خلفيات متنوعة تجاوزوا خلافاتهم وشكلوا حكومة في هولندا - يبدو أن ألمانيا يمكنها أن تتعلم من هولندا.

وقال ممثلون عن الحزب الديمقراطى المسيحى التابع للمستشارة أنجيلا ميركل إن مفاوضات لتشكيل ائتلاف حكومي يمكن أن تستمر حتى عام 2018، على الرغم من أنه في مقابلة جرت مؤخرا مع مجلة فوكوس الألمانية، قال رئيس المستشارية لدى ميركل بيتر ألتماير إنه يأمل في أن يتم الاتفاق على شروط الائتلاف بحلول عيد الميلاد، "هذا ما آمل، ولكن ما هو حاسم هو الجوهر، وليس التاريخ"، قال ألتماير.

بعد انتخابات البوندستاج الماضية في عام 2013، استغرق الأمر 86 يومًا لحكومة ميركل لتشكيل ائتلاف مع الديمقراطيين الاشتراكيين - وهو رقم قياسي لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أنه يمكن تجاوز هذه المدة في الوقت الحالي، حيث أن الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ التابع لميركل ميركل والحزب الشقيق للاتحاد المسيحي البافاري، والخضر والديمقراطيين الأحرار، لديها اختلافات حول عدة نقاط.

إلا أن الأطراف الثلاثة أعربت عن رغبتها في التوصل إلى حل توفيقى قبل الجولة الأولى من المفاوضات، ومن المتوقع أن يبدأ الحزب الديمقراطى المسيحى وحليفه الحزب الشقيق للاتحاد المسيحي البافاري محادثات استكشافية مع حزب الخضر والحزب الليبرالى الديمقراطى المنفتح اقتصاديًا الأسبوع القادم لتشكيل ما يسمى بتحالف "جامايكا"، وهو اسم يشير إلى الألوان الممثلة لهذه الأحزاب.

لكن ويلب أوضح أن المشهد السياسي في هولندا يختلف تمامًا عن ألمانيا، حيث كان حزب الخضر لسنوات طويلة شريك الائتلاف المفضل للديمقراطيين الاشتراكيين من جهة، وكان الحزب الديمقراطي الحر متقاربًا مع الحزب الديمقراطى المسيحى وحليفه الحزب الشقيق للاتحاد المسيحي البافاري من جهة ثانية.

وقال ويلب "إن ائتلاف جامايكا سيكون فصلًا جديدًا على الأقل على المستوى الوطنى في ألمانيا."

وأضاف "في هولندا، هناك شيء من التقليد من أن تكون الأحزاب أكثر انفتاحا على الائتلافات مع أطراف متنوعة لأن المشهد السياسي أكثر تشظيًا."

شُكل تحالف "جامايكا" سابقًا في ولاية سارلاند في غرب ألمانيا في عام 2009، لكنه انهار في عام 2012. وتولى نفس التشكيل السلطة في ولاية شليسفيج هولشتاين في وقت سابق من هذا العام بعد انتخابات الولاية في مايو.

إلا أنّ هناك شيئًا مشتركًا بين الأحزاب الأربعة في هولندا والشركاء المحتملين لتشكيل "جامايكا" في ألمانيا: هناك ضغوط هائلة على كل المشاركين في التوصل إلى حل وسط يمكن من خلاله تشكيل حكومة.

وقال ويلب: "لم يكن من الواضح ما هو البديل، لو لم يتم التوصل إلى حل (في هولندا)"، وأضاف: "هذا الضغط مشابه للحالة التي يجد السياسيون الألمان أنفسهم فيها في الوقت الحالي: هذا يجب أن تنجح".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية