رئيس التحرير
عصام كامل

الملك فاروق يحكي قصة خروجه من مصر إلى نابولي

فيتو
18 حجم الخط

في كتاب تذكارى أصدرته مكتبة الإسكندرية حول مذكرات ملك مصر السابق فاروق الأول، التي كتبها بعد خلعه عن العرش وخروجه إلى إيطاليا قال فيها:


«أبحر جدى الخديو إسماعيل إلى نابولي عام 1879 منفيا أيضا، ومنحته الحكومة الإيطالية قصرا وبعض المخصصات الملكية.

وعندما قدم إلى مصر فيكتور عمانويل ملك إيطاليا منفيا وضعت تحت تصرفه قصر أنطونيادس، فنابولى هي مدينة الملوك المخلوعين.

وحينما خرجت من مصر قررت أن أسافر بالباخرة المحروسة.. وهى نفس السفينة التي أقلت جدي إسماعيل.

وهكذا استبعدت فكرة السفر بالطائرة فمن السهل تفجيرها وإسقاطها، وكنت أعلم أنهم سيلومون محمد نجيب لشدة ضعفه وتخاذله ولن يمض وقت طويل وسيعيدون كل حساباتهم بشأننا، وقد صدق حدسي.

في الليلة الأولى راودتني فكرة إظلام المحروسة تماما، ولكني أدركت أني أثير القلق والخوف بلا داع، فلو أنهم كانوا ينوون تدمير المحروسة فلماذا انتظروا عتمة الليل، وفي النهاية قررت الاتفاق مع قائد السفينة على تغيير خط سير السفينة، وكانت ليلة موحشة لكني استطعت النوم فيها جيدا.

استغرقت رحلة المحروسة إلى نابولي ثلاثة أيام في عرض البحر، وقضينا الشطر الأول من الليلة الأولى في الإبحار بأقصى سرعة ولكن جاء في اتجاه خاطئ.

تولى علوبة باشا قيادة المحروسة بعد أن أمره اللواء نجيب بمرافقتى إلى أول ميناء في إيطاليا، والعودة مرة أخرى إلى الإسكندرية، فالمحروسة ليست ملكي، لكنها بنيت في عهد جدي إسماعيل وتملكتها الحكومة بعد الثورة، وصدرت الأوامر المشددة لعلوبة بك بأن زوجته وعائلته سيتم احتجازهم كرهائن إذا لم يعد بالسفينة بعد توصيلنا إلى نابولي.

وصلنا نابولي فوجدنا الترحاب والمأوى والأصدقاء، ووضعت الحكومة تحت تصرفنا حرسا خاصا، ثم قمنا بتوديع أصدقائنا العائدين مرة أخرى على المحروسة، وفور خروجنا فوجئنا بحصارنا حصارا محكما من قبل 300 صحفي من مختلف دول العالم ينتظرون على رصيف الميناء، وتعرضنا للكاميرات التي تم تثبيتها على أسطح المنازل وأبراج الكنائس حول الفندق الذي نزلنا فيه.


أما أنا فقد تكفل كل المصورين بتصويري ومراقبتي، لكني وعدتهم أني في اليوم التالي سأقف أنا وعائلتي أمام كاميراتهم وسألقي لهم بيانا، وأدهشني رد فعلهم الإيجابى، فقد اغلقوا الكاميرات والتزموا بالوعد وتركوا الفندق ولم يضايقنى أحد منهم، وكنت أتمنى أن يتصف كل الصحفيين بأمانة ورقي هؤلاء الصحفيين والمصورين.


وفي اليوم التالي أعددت بيانا موجزا ذكرت فيه أني ضيف على الحكومة الإيطالية، وتحت رعايتي ملك مصر الصغير، وكنت حريصا على كل كلمة حتى لا أسبب متاعب لمن حولي، وتحدثت بثلاث لغات لبعض الصحف.


إلا أن بعض الصحفيين فضلوا البحث عن أسئلتهم المفضلة عن طريق العاملين في الفندق، عن طريق الرشاوى، وكانت أسئلتهم ماذا نأكل، ماذا نشرب، عدد قمصاني؟ ولون قميص نوم ناريمان».
الجريدة الرسمية